إن الناظر للمشهد الفلسطيني بعد معركة "سيف القدس" يرى كم أن الفعل المقاوم الفلسطيني النوعي والمتطور في أثناء تلك المعركة كان مفاجئاً، وكم أحدث من تأثيرات ذات بعد إستراتيجي، من خلال قدرة المقاومة على صناعة الحدث، وتحريك الجبهات التي ألهب عنفوانها الجماهير الساخطة على الاحتلال وداعميه، في غالبية دول العالم، إذ أظهر الشعب الفلسطيني المصطف خلف قيادة المقاومة، التماسك والوحدة في الحال والموقف، وكان شعاره الذي لا يعلوه شعار (حطّ السيف قبال السيف، واحنا رجال محمد ضيف) يطوف في كل مدينة ومخيم، وحارة وزقاق. من أجل حماية المسجد الأقصى، والمرابطين في مدينة القدس.
وبالتالي أصبح من المعلوم أن ما بعد سيف القدس لن يكون فعلاً كما قبلها.
هذا التطور النوعي في إدارة الصراع من خلال أخذ حماس زمام المبادرة والمبادأة بالقتال، كشف حقيقة (إسرائيل) المزعومة للعالم، وفي المقابل قد أثر بالمشهد السياسي، وتأثر بذلك قيادة المقاومة.
وسرعان ما دعت لظهور الدبلوماسية الحمساوية التي وظفت خلالها الحركة مصدر من مصادر قوتها الناعمة التي حرمت من توظيفه طيلة سنوات، بفعل الحصار والعزل السياسي، الذي يتمثل في (سياستها الخارجية).
إذ وظفت الحركة سياستها الخارجية في سياق استثمار تضحيات وبسالة الشعب الفلسطيني، ومقاومته المتعددة الأشكال في كل الجبهات، كي تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، الأمر الذي يمثل أحد أبرز أهداف الحركة للدورة الانتخابية الأخيرة الداخلية لديها.
وقد ساعد على ذلك سلوك الحركة السياسي التعرضي والوازن، والذي مثل قاعدة صلبة لإدارة المصالح الوطنية بعد منح الثقة للوسطاء، ما عزز بدوره سبل الشراكة والتعاون مع دول المنطقة، ولا سيما في ظل إعادة تشكّل العالم، وانكفاء أمريكا، الداعم الأول للاحتلال الصهيوني.
في المقابل وجدت بعض تلك الدول، أنه يجب إعادة النظر لمكانة ودور حماس، لكونها برزت بقوة كفاعل سياسي مؤثر في مسار التحولات السياسية في المنطقة.
وعلى ضوء تلك التحولات، جاء إعلان الحركة عن استئناف علاقاتها مع سوريا، لأجل تعزيز مصادر قوتها في وجه الاحتلال، سبقها زيارة وفد بقيادة السيد هنية، ونائبه العاروري لـ(روسيا)، ضمن حراك دبلوماسي لعدة دول استقبلت وفد الحركة بحفاوة واهتمام، ما يؤكد حجم التحول الكبير في درجة التأثير في الهياكل الرسمية في المنطقة.
وهذا ما بدا ظاهرياً من حالة الارتياح والثقة التي بدت على السيد هنية في أثناء مقابلته في فضائية روسيا اليوم، إذ تحدث عن الأبعاد التي استوجبت زيارته لروسيا، وهي: (ملف المصالحة الفلسطينية، وطبيعة الصراع مع الاحتلال، والمتغيرات الكبرى على المستوى الدولي).
وبالنظر للأبعاد التي ذكرها، أعتقد أن حماس من دون شك، تزيد من فرص تعزيز مصادر قوتها في المنطقة، ما يؤهلها قريباً لفرض معادلات وقواعد جديدة لصالح القضية الفلسطينية، على صعيد إدارة الصراع مع دولة الاحتلال.
وهذا قد يدفع الأخيرة بالضرورة لإعادة حساباتها مجدداً، عند استحضارها تلك التحولات الإستراتيجية، قبل الإقدام على أي فعل من شأنه المساس بالخطوط الحمراء التي خطّتها أو ستخُطّها قيادة المقاومة الفلسطينية، بما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، وتحديداً موارده، ومقدراته، وحرية تنقله.