يبدو شارع صلاح الدين الواقع شرقي مدينة القدس المحتلة "خاويًا على عروشه" من قلّة الرواد والمشترين، على غير عادته كما كان في سابق عهده قبل إنشاء جدار الفصل العنصري الذي شيّده الاحتلال تزامنًا مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
يُعرف عن شارع "صلاح الدين" أنه حيوي وتكثر فيه حركة المواطنين من جميع أرجاء مدينة القدس ومدن الضفة الغربية وأراضي الـ48، لكن ذلك لم يرق الاحتلال الذي بذل ولا يزال من أجل تهويد هذا الشارع الذي يُعد "عصب حياة المقدسيين وعمود الاقتصاد المقدسي".
ويقع الشارع المذكور خارج سور البلدة القديمة مقابل باب الساهرة، ويمتد حتى منطقة الشيخ جراح، ويلتقي مع شارع سليمان القانوني من الناحية الجنوبية، ويبلغ طوله 750 مترًا، ويكتسب أهمية اقتصادية وسياسية، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى القائد صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس من الصليبيين عام 1187.
ودأب التاجر حازم أبو نجيب على الاتكاء على كرسي بلاستيكي أمام متجره الواقع في منتصف الشارع، مع ضعف الحركة الشرائية لديه، خلافًا لما اعتاده قبل أكثر من 20 عامًا.
يقول أبو نجيب -وهو صاحب محل منذ 25 عامًا لصحيفة "فلسطين"-: "أصبحت الحركة التجارية شبه معدومة في الشارع، فلا يرتاده المواطنون من خارج القدس الذين يساهمون في زيادة القوّة الشرائية".
ويؤكد أن جدار الفصل العنصري في القدس أثر كثيرًا في الوجود الفلسطيني بالقدس، ما انعكس سلبًا على الحركة الشرائية في شارع صلاح الدين، وأرجع الاقتصاد المقدسي بأكمله نحو 80% إلى الوراء.
ويعزو تراجع القوة الشرائية لدى المواطنين إلى كثرة الضرائب التي تفرضها بلدية الاحتلال عليهم بعشرات آلاف الشواقل، وأبرزها "الأرنونا"، فضلًا عن الالتزامات الحياتية المفروضة عليهم، الأمر الذي ينعكس سلبًا على قدرتهم على توفير مستلزمات عائلاتهم.
ويضيف أبو نجيب: "كان الشارع يشكل أكبر قوّة في مركز المدينة المقدسة، ما جعله هدفًا إستراتيجيًّا للاحتلال، الذي عمل جاهدًا على تغيير ملامحه وإضعاف الحركة الشرائية فيه ببناء الجدار ومنع أهالي الضفة وقطاع غزة من الوصول إليه، ضمن سياسة ممنهجة تهدف لتدمير الاقتصاد المقدسي".
ويشدد على أن الاحتلال يعمل على خنق الاقتصاد المقدسي بمختلف الطرق ضمن تغيير ملامح المدينة وسرقة آثارها وتغيير أسماء شوارعها بهدف تهويدها بالكامل، فضلًا عن مساعيه لتفريغ الوجود الفلسطيني في القدس.
وينبه إلى أن فرض الضرائب أرهق التجار والمواطنين، إذ تصل إلى عشرات آلاف الشواقل سنويًّا، مشيرًا إلى أنه يدفع 50 ألف شيكل سنويًّا ضريبة "أرنونا"، إضافة إلى الضرائب الشهرية.
وحسب حديث أبو نجيب؛ إن مدينة القدس تُصنف من أكثر المُدن العالمية في دفع الضرائب التي يفرضها الاحتلال على المقدسيين والتجار.
بدوره قال رئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق: "الاحتلال يهدف لتهويد مدينة القدس عامة، خاصةً البلدة القديمة، وضرب الحركة التجارية، بإقامة مجمعات تجارية إسرائيلية حول المدينة".
وأوضح الرشق لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال أوجد امتيازات كثيرة في تلك المجمعات أكثر من تلك التي في محال القدس، من أجل استقطاب القوة الشرائية المقدسية، ما يضرب الحركة التجارية كاملة.
وبيّن أن شارع "صلاح الدين" يتميز بموقعه الإستراتيجي إذ يتفرع منه شوارع أخرى، مشيرًا إلى أن القوّة الشرائية تقلصت كثيرًا بعد بناء جدار الفصل العنصري الذي فصل القدس عن باقي المدن.
ولفت النظر إلى أن فرض الضرائب والمخالفات المرورية أرهق جيوب التجار والمواطنين عامة، إضافة إلى قلة رواتب المقدسيين، واصفًا هذه الممارسات الإسرائيلية بـ"التصعيد الجائر".
وأشار إلى أن بلدية الاحتلال لا تولي شارع صلاح الدين اهتمامًا مُطلقًا، إذ إنها لا تُعبّد "الأسفلت" منذ عام 1967، إنما تجري فقط عمليات ترقيع له، فضلًا عن رداءة البنية التحتية فيه، ونقص أعمدة الكهرباء.
وأضاف الرشق: "الاحتلال دأب على افتتاح مركز لشرطته في الشارع، وإنشاء بعض المقار الأخرى الخاصة للمستوطنين، في سبيل تعكير صفو الحركة التجارية"، واصفًا الوضع التجاري عمومًا بـ"المأساوي".
وحسب قوله؛ إن التجار أصبحوا يعانون أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة نتيجة الممارسات الإسرائيلية، ما دفع بعضهم لإغلاق محله وتحويل نشاطه إلى خارج مدينة القدس لتعويض النقص الحاصل لديه.
وفي السياق أكد الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب أن الاحتلال يُحارب هذا الشارع لكونه اكتسب اسمه من الأسماء التي كان لها بصمات في مدينة القدس، مشيرًا إلى أنه بعد عام 1967 أصبح أهم مركز تجاري حيوي في المدينة، حيث يضم 460 منشأة: مؤسسات وفنادق، منها 175 محلًّا تجاريًّا.
وشدد على أن "الكيان الإسرائيلي منذ احتلاله القدس بدأ بمحاولة تهويده، وإنشاء بعض المؤسسات الإسرائيلية، واستولى على كثير من المباني فيه، أهمها مبنى المحكمة ووزارة القضاء، إذ حُوّل إلى محكمة عسكرية إسرائيلية".
ولفت النظر إلى أن الاحتلال في المرحلة الأخيرة بدأ في مخطط لمنع وصول المركبات للشارع بهدف قتل الاقتصاد المقدسي، وتغيير الوجه الحضاري، وقطع التواصل وصولًا إلى تفريغ البلدة القديمة.