اعتلى زياد درويش جرافته ليس للحفر من أجل بناء منزل ما، وإنما لهدم ما شيده منذ عشرين عامًا.. ليست الحجارة فحسب بل ضحكات وقهقهات وذكريات جميلة جمعت الأسرة بالأسير الذي ابتعد عن عائلته ثماني سنوات ونصف السنة في سجون الاحتلال.
في بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة، وعلى وقع بكاء أطفاله أجبرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي درويش على تنفيذ الهدم.. توسل الأطفال بوالدهم لكي يترك لهم مكانًا للعب واللهو، ولكن ما باليد حيلة.
يعيش درويش في بيت صغير مكون من غرفتين ومنافعهما، أراد أن يتوسع ليخصص غرفة لبناته فاشترى قطعة أرض بجوار منزله وبنى فيها سقفًا من ألواح الصفيح، ومنذ 20 عامًا وهو يدور بين محاكم الاحتلال الإسرائيلية من أجل إثبات حقه وإصدار ترخيص بناء، وكعادة الاحتلال؛ مماطلة فذرائع يدعي أنها قانونية تنتهي بقرار هدم "بناء غير مرخص".
يقول منذ أكثر من شهر والاحتلال يرسل له إخطارات بالهدم، ولكن كان يؤجل الأمر، لأنه أراد أن يزف ابنته إلى عريسها من البيت الذي ولدت وقضت طفولتها فيه، وما إن انتهت مراسم الزفاف، حتى أرسل الاحتلال له تهديدًا إما بـ"الهدم ذاتيًّا"، وإما أن يقوموا بهدم البيتين مع دفع غرامة تقدر بـ50 ألف شيقل.
بأسًى يتحدث درويش لـ"فلسطين": "الله وحده يعلم كيف تمكنت من ادخار المال من أجل بناء هذا البيت، في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها كل المقدسيين، فأنا أعمل سائق جرافة ومنها مضطر لتوفير حياة كريمة لأطفالي، ودفع فواتير الماء والكهرباء، والضرائب التي تفرض علينا".
يتابع: "الوضع مأساوي للغاية، أن تهدم بيتك بيدك يعني أن تشعر بقهر يمزق قلبك مع كل حجر توقعه بيدك، لا أتمالك نفسي في أثناء الهدم، كانت دموعي تنهمر بسبب قساوة الأمر، وأطفالي زوجتي أيضًا".
هذه ليس المأساة الأولى التي يتعرض لها درويش، إذ سبق أن هدم له الاحتلال بيتًا قبل أربع سنوات مع تجريف 10 دونمات مزروعة بأشجار مثمرة تقع بين العيساوية وحي وادي الجوز.
وقبل 15 عامًا هدم الاحتلال بيتًا لوالده في قرية عناتا في الشمال الشرقي لمدينة القدس قد ورثه عن جده منذ عشرات السنوات.
ويوضح أن أسرته المكونة من سبعة أشخاص بينهم أربعة أطفال أصبحت مشتتة، لكنه يؤكد صموده رغم الاحتلال.
تجفيف المقدسيين
ويشير درويش إلى أن الاحتلال ينوي هدم عشرات البيوت كما فعل في بيته بذريعة عدم الترخيص، مع أنهم يخوضون دعوى قضائية في المحاكم الإسرائيلية لمنع الهدم.
ولدى سؤاله عن هدف الاحتلال من سياسة هدم البيوت، يجيب: "الاحتلال لا يريد لنا العيش في أرضنا، ويهدف إلى تهجيرنا من خلال مصادرة الأراضي وعمليات الهدم والاعتقالات اليومية، للاستيلاء على مدينة القدس وتهويدها".
ويردف درويش: "لا يمكن للمقدسي أن يرفع دعاوى قضائية ضد هدم بيوتنا، لأن ما يحدث ليس مجرد هدم بيوت غير مرخصة، فهي حجج كاذبة، بل له بعد سياسي خطير وهو تهجير المدينة من سكانها لتصبح الغلبة للمستوطنين، وتمهيدًا لتغيير معالمها العربية والإسلامية ومنحها مشهدًا تهويدًا".
ويناشد منظمات حقوق الإنسان والدول العربية والإسلامية، دعم صمود المقدسيين والوقوف معهم في ظل الهجمات الشرسة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي تجاه القدس.
وتشكل سياسة هدم المنازل الفلسطينية منهجية إسرائيلية قديمة منذ نشأة دولة الاحتلال عام 1948.
ومنذ مطلع عام 2021 حتى يونيو/حزيران الماضي، هدمت سلطات الاحتلال أكثر من 1350 منزلًا ومنشأة فلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلة، على حين أخطرت في المدة نفسها أكثر من 1050 منزلًا بوقف البناء، وغالبًا فإن الهدم مصير أكثر من 50% من الأبنية المتعلقة بها تلك الإخطارات.