ليس هناك أجمل من الجماهير في الملاعب عامة وفي فلسطين خاصة، فهي فاكهة الملاعب، واللاعب رقم "1" وليس رقم "12" كما هو متعارف عليه، دلالة على مكانة وأهمية تلك الجماهير في الملاعب.
ولكوننا في فلسطين شعبًا يقبع تحت وطأة الاحتلال وما يُشكله هذا الاحتلال الغاشم من ممارسات قمعية للشعب الفلسطيني عامة والرياضة الفلسطينية خاصة، فإن على الجماهير الفلسطينية أن تؤدي دورًا مهمًا في تعزيز روابط الوحدة الوطنية وروابط النسيج المجتمعي.
إن النسيج المجتمعي الفلسطيني كان ولا يزال أحد عوامل الصمود الفلسطينية في وجه الاحتلال، وعليه علَّنا نسهم كثيرًا في بقاء هذا النسيج قويًا ومتينًا في وجه الاحتلال، لأنه بذلك يعجز الاحتلال عن اختراق صفوف شعبنا الفلسطيني الذي يُعاني الكثير.
اليوم وقد انطلق الموسم الكروب في كل فلسطين، فإن ما حدث ويحدث بين جماهير الأندية صاحبة القواعد الجماهيرية الكبيرة، أمر يدعو إلى الوقوف بمسؤولية دينية وطنية وأخلاقية تجاه المشاحنات والهتافات المتبادلة بين جماهير تلك الأندية دون أي داعٍ.
لقد شاهد الجميع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لقطات المشاحنات باستخدام أقسى العبارات التي تؤذي السمع وتخدش الحياء العام، دون أن نجد من يعمل على رأب الصدع ووقف هذه الظاهرة الخطيرة في الشارع الفلسطيني.
إن استمرار المشاحنات بين جماهير ناديي شباب الخليل والظاهرية، اللذين يُمثلان محافظة الخليل كُبرى محافظات الوطن مساحة وتعدادًا للسكان، ينعكس سلبًا على النسيج المجتمعي الذي هو بحاجة لتعزيز وليس للتفرقة، فما يجمع الشهب الفلسطيني أكبر مما يُفرقه.
إن الرياضة ساحة من ساحات الفعل الوطني الكبير والمميز، ولا سيما أن 65% من المجتمع الفلسطيني من فئة الشباب، وعليه فإن مستقبل الشعب أهم بكثير من لعبة كرة قدم أو غيرها من الألعاب التي طالما شهدت ملاعبها العديد من أعمال الشغب والعنف.
إن التعصب الذي يُغلف شريحة الجماهير الرياضية هو سلاح عكسي يُصيب المجتمع الفلسطيني ويجعله ضعيفًا في مواجهة الاحتلال وممارساته القمعية التي لا تُفرق بين فلسطيني وآخر، فالشعب الفلسطيني كُله هدف للاحتلال الذي طالما ردد مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
إن المنافسة على ألقاب الألعاب الرياضية كافة حق طبيعي لكل فريق مُشارك في البطولات المختلفة، تحت شعار "الرياضة أخلاق وتهذيب للنفوس وليس إحرازًا للكؤوس"، وعليه فهناك ما هو أغلى وأهم من الألقاب، وهو الأخلاق والوحدة.
إن التعصب والعنف في الملاعب ظاهرة موجودة في كل العالم بتفاوت نسبي بين دولة أخرى، وعلينا ألَّا نتخذ من مثيري الشغب قدوة لجماهيرنا الفلسطينية، فالقدوة هي الأمر الإيجابي وليس السلبي.
إن ما حدث ويحدث لا يُمثل أخلاق الشعب الفلسطيني، وليس هناك أي مُبرر لأحد أن يُشعل فتيل هذا التعصب، وعلى إدارات الأندية أن ترفع الغطاء الرسمي عن الفئة القليلة من تلك الجماهير التي تقودنا إلى ما لا تُحمد عقباه.
إن ثقافة العنف التي تحملها فئة قليلة من جماهير الأندية الجماهيرية أصبت تطغى على المدرجات وخارجها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أصبح التعصب مقياس انتماء وحب أفراد خارجين عن القانون والأعراف، وعليه علينا أن نعمل وبأسرع وقت ممكن لوأد هذه الظاهرة من خلال التعامل بحزم مع مُثيري الشغب.
ولم تكن غزة وجماهير بعض الأندية صاحبة القاعدة الجماهيرية بعيدة عن هذه الظاهرة، فمن حين لآخر نُعاني هذه التي هددت ولا زالت تُهدد استقرار الساحة الرياضية التي تعد الساحة الأكثر إقبالًا من الجماهير في ظل الحصار المفروض على غزة منذ 16 عامًا.
وقبل أن تخرج هذه الظاهرة من تحت الرماد مع انطلاق الدوري في غزة وسط منافسة قوية، علينا أن نعمل على الحد من ظاهرة الشغب التي طالمًا أضرت بأندية نتيجة تعصب جماهيرها.