تمثل زيارة وفد رفيع المستوى من حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية، إلى موسكو محطة سياسية مهمة للمقاومة الفلسطينية على صعيد تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في الساحة الدولية، خاصة مع دلالات توقيت الزيارة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتفاقُم الصراع بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، وإرهاصات نهاية القطب الأمريكي الذي يهيمن بالقوة المسلحة والنظام الاقتصادي على دول العالم أجمع.
لا شك أن زيارة قيادة حماس لموسكو تشكل رافعًا سياسيًا للقضية الفلسطينية التي يسعى الاحتلال بمساعدة أنظمة التطبيع في المنطقة العربية إلى إنهائها سياسيَّا، والتعامل معها على أنها مجرد قضية لجوء إنسانية لا تختلف في جوهرها عن قضايا اللجوء الأخرى في دول العالم، وهي محاولات باءت جميعها بالفشل الذريع حتى اللحظة الراهنة.
أن يستقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رسميًّا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وقيادات عالية المستوى من حركة حماس، وفي مقدمتها الشيخ صالح العاروري الذي يتهمه كيان الاحتلال بالوقوف خلف تصاعد المقاومة في الضفة المحتلة، يُعد في العرف الدبلوماسي لطمةً سياسيةً لكيان الاحتلال، ودعمًا مباشرًا تقدمه روسيا لحركة حماس، كما يعبر عن قوة تأثير حماس في الشارع الفلسطيني، وأنها كانت ولا زالت اللاعب الأبرز في القضية الفلسطينية التي يراها كثيرون القضية الأهم، والمدخل الأساس لمعالجة جميع قضايا المنطقة العربية.
من يتابع هذه الزيارة السياسية والتي تأتي بنكهة اصطفافات دولية تجري على قدم وساق هذه الأيام في دول العالم أجمع، يدرك جيدًا أن حركة حماس تقتنص فرصة سياسية لاستعادة حضور الملف الفلسطيني وإبراز المعاناة الفلسطينية في الساحة الدولية، وهي لا تدّخر جُهدًا لتعزيز علاقاتها السياسية واستثمار الأحداث الدولية وترجمتها إلى مواقف دبلوماسية داعمة لصمود الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، فتعزيز حركة حماس كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية علاقتها السياسية مع دولة عضو في مجلس الأمن يشكّل رافعًا دبلوماسيًا مهمًّا للشعب الفلسطيني في ظل الانحياز الأعمى الذي تمارسه الولايات المتحدة ودول أوروبا لصالح الاحتلال، ومعاداتها للمقاومة الفلسطينية من خلال ملاحقتها وحصارها وتجفيف منابعها ونعتها كذبًا بالإرهاب.
النقطة الأخرى أن زيارة هنية لموسكو تأتي بعد أسابيع من استقباله رسميًّا في الجزائر، كما أنها تأتي بعد عام من زيارة سابقة قام بها إلى المغرب، إضافة إلى زياراته السابقة إلى كل من تركيا وإيران وقطر، واستقباله من قيادات رسمية في تلك الدول، وهي إشارات واضحة على نجاح الجهود الدبلوماسية التي تبذلها حركة حماس على صعيد تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة والعالم، كما أن العديد من المؤشرات السياسية تشير إلى هذا النجاح وفي مقدمتها تواجد ممثلين رسميين للحركة، وافتتاح عدة مكاتب تمثيلية لها في العديد من الدول في آسيا وافريقيا خلال السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى فإن توقيت استقبال موسكو لقيادة حركة حماس اليوم يعبر عن رغبتها في القيام بدور سياسي أكثر فاعلية على صعيد القضية الفلسطينية والمصالحة الداخلية، كما أن توقيت استقبال قيادة حماس في موسكو يحمل رسالة سياسية للاحتلال في ظل تراجع علاقاته الدبلوماسية مع روسيا مؤخرًا، وإقدام الأخيرة على تقييد دور الوكالة اليهودية، ردًا على مواقف الاحتلال الداعمة لأوكرانيا في الصراع الراهن.
وأخيرًا فإن هذه الزيارة توجه رسالة واضحة للمجتمع الدولي بفشل الحصار السياسي الذي فرضته الرباعية الدولية على حركة حماس بعيد اكتساحها مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م، وأنه آن الأوان لمراجعة سياسة الحصار الإقليمي لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية التي تمنحها استطلاعات الرأي فوزًا في غالبية مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني في حال تم إجراء الانتخابات الفلسطينية في المستقبل.