بعد 29 سنة على نكبة أوسلو، ربحت القيادة الفلسطينية مسمى سلطة فلسطينية، ومسمى رئيس سلطة، ورئيس وزراء، ووزير، ووكيل وزارة، وربحت القيادة عددًا من الأجهزة الأمنية، لها ميزانيتها ونفقاتها، وربح قادة الأجهزة الأمنية مسميات لواء وعميد وعقيد، ولكن الشعب الفلسطيني خسر وطنه بوثيقة موقعة من قيادته.
أوسلو كلها خطايا، على الرغم مما يدعيه البعض من وجود بعض المنافع، مثل عودة عدة آلاف من عناصر الأمن الوطني إلى فلسطين، وعلى الرغم من الإفراج عن عدة آلاف من الأسرى -وأنا أحدهم- وعلى الرغم من ارتفاع علم فلسطين على المؤسسات الرسمية، وعلى الرغم من عشرات آلاف الوظائف، وعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي الشكلي والوهمي من قلب المدن، ومع ذلك، تظل أوسلو كلها خطايا، لأن العمق السياسي الذي يستند إليه الوجود الفلسطيني أصيب بمقتل من جراء اتفاقية أوسلو.
أوسلو مزقت الشعب الفلسطيني إلى فلسطينيي الشتات، الذين أخرجتهم أوسلو من الملعب، وفلسطينيي الـ48، الذين تجاهلتهم الاتفاقية، وفلسطينيي القدس المنسيين، ليظل فلسطينيو الأراضي المحتلة موزعين على مناطق ألف وباء وجيم، حتى إذا كشفت الاتفاقية عن عورتها، فإذا بغزة مقطوعة عن الضفة، وإذا بمدن الضفة الغربية مفصولة عن بعضها بمئات الحواجز.
قبل أوسلو، كانت فلسطين حلمًا لكل الشعب الفلسطيني، ومحط أنظار الفلسطينيين، جاءت أوسلو فدفنت هذا الحلم بين الأوراق والملفات والوعود واللقاءات ومفاوضات، التي لم تنتهِ أبدًا.
قبل أوسلو كان الحاكم العسكري الإسرائيلي يتحمل المسؤولية عن حياة الناس وعملهم ووظائفهم وعلاجهم ونظافتهم، فجاءت أوسلو لتحرر الاحتلال من مسؤولياته، بل استنزف الاحتلال طاقة الشعب من خلال وجود سلطة خاضعة للاحتلال، وتعمل على إخضاع الشعب لأمن الاحتلال.
قبل أوسلو كان الشعب الفلسطيني يقاتل عدوه صفًا واحدًا من أجل تحرير فلسطين، فجاءت أوسلو، ومزقت الشعب بين ساعٍ لتحرير فلسطين من الغاصبين، وبين ساعٍ لتحرير فلسطين من المقاومين.
أوسلو باعت الشعب الفلسطيني وهمًا بالحرية والاستقلال والدولة والحياة الكريمة، ليكتشف الشعب الفلسطيني أنه يعيش على فتات الإسرائيليين، وتحت رحمتهم، وفي سجونهم، ويعيش مطاردًا من الجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية داخل بيته، وفي غرفة نومه.
قبل أوسلو كان الشعب الفلسطيني يقاتل من أجل وطن وحرية شعب، وبعد أوسلو صار الشعب الفلسطيني يقاتل من أجل رغيف الخبز، وفرصة عمل في المصانع الإسرائيلية، ومن أجل نصف الراتب مطلع الشهر.
أوسلو نكبة لا تقل عن نكبة 48، إن لم تكن أسوأ منها، فنكبة 48 أخذت من الفلسطينيين أرضهم، ولم تقترب من العقل الفلسطيني الذي احتفظ باسم فلسطين في الوجدان، فجاءت اتفاقية أسلو فخطفت من الفلسطينيين الذاكرة، وشوهت وجدانهم، وتركتهم ممزقين بين مصدق بحق الصهاينة الأعداء في دولة على أرض فلسطين، وبين مكذب لما يراه من قادة يحملون بطاقة خاصة، منحتها لهم المخابرات الإسرائيلية.
مصلحة الشعب الفلسطيني تقضي بالتخلص من أوسلو نهائيًّا، والتخلص من قادتها، ومن إفرازاتها، والعودة ثانية إلى خندق الوحدة خلف المقاومة، لمواجهة عدو يسعى ليل نهار لبسط يهودية دولته على كل أرض فلسطين، وعلى حساب شعب فلسطين.