يوافق اليوم الإثنين 12 من سبتمبر/ أيلول انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، في حدث تاريخي، جرى بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية المتتالية.
17 عامًا مرت على إخلاء الاحتلال 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا.
مشهد اندحار المستوطنين وهم يخرجون من المستوطنات التي كانت جاثمة على قطاع غزة عام 2005، يجرون ذيول الهزيمة والخيبة والحسرة لا يزال راسخًا في ذاكرة أبناء الشعب الفلسطيني، ويتجدد كل عام وهم يحيون ذكرى اندحار الاحتلال بعد عقودٍ طويلة ظلَّتْ فيها صورة النكبة الفلسطينية ومشاهد تهجير وقتل الآباء والأجداد الفلسطينيين تستحوذ ذكرياتهم المؤلمة.
وعقب الاندحار الإسرائيلي آنذاك، عمت الفرحة قلوب أبناء الشعب الفلسطيني، وبدأت احتفالات النصر تتعالى، دخل الفلسطينيون تلك المستوطنات، ووصف بعضهم الاندحار بأنه "نموذج مصغر لتحرير فلسطين" أو "أحد صور النصر التي صنعتها المقاومة".
تكلفة باهظة
لم يكن اندحار الاحتلال ومستوطناته عن غزة عام 2005م حدثًا عابرًا في تاريخ المواجهة بين المقاومة والاحتلال، وإنما كان شكلًا من أشكال الهزيمة الإسرائيلية، بحسب المختص في شؤون المقاومة محمد حسونة.
ويقول حسونة لصحيفة فلسطين: إنّ قرار اندحار الاحتلال عن غزة جاء بعد زيادة تكلفة حماية المستوطنات داخل القطاع نتيجة تصاعد وتيرة الفعل المقاوم واتساع رقعة التأثير في المستوطنين.
ويُضيف حسونة: الاحتلال لم يغادر غزة من موقع قوة وتمكن خاصة عند استحضار منهجية تفكير قادة الاحتلال الذين أشار بعضهم إلى أنّ قيمة مستوطنة "نتساريم" في غزة لا تقل أهمية عن (تل أبيب)، وعليه فإنّ الحديث يدور عن تراجع واضح في "المشروع الصهيوني" القائم أساسًا على التمدد والاستيطان في فلسطين.
ويتابع: تعنّت المستوطنين ورفضهم المغادرة أرغم الاحتلال على الإقرار بأن سبب الاندحار فقدان القدرة على حماية المستوطنات.
أسهم تحرير غزة، وفق حسونة، بشكلٍ مباشر في انتقال المقاومة من مرحلة بدائية الفعل العسكري ومحدودية التخطيط والأدوات إلى مرحلة نضوج البنية التنظيمية واتساع دائرة التأثير، وهو ما شكل نقلة نوعية في المواجهة مع الاحتلال.
ويرى أنّ اندحار الاحتلال عن غزة وفّر بيئة تنظيمية للمقاومة، قادرة على تطوير الكوادر البشرية عبر التدريب في مواقع عسكرية منتشرة على امتداد غزة، وتحسين القدرات العسكرية من خلال إنشاء المزيد من ورش التصنيع، فضلًا عن الظروف التي سمحت لقادة المقاومة بمباشرة العمل والتدريب والتطوير، دون وجود عوائق إسرائيلية داخل غزة.
وبعد مرور سبعة عشر عامًا، يشعر الاحتلال، حسبما يذكر حسونة، بالندم على قرار الاندحار عن غزة، وهذا واضح في السجالات السياسية الداخلية في (إسرائيل)، إذ يتبادل المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي الاتهامات حول المسؤولية عن تعاظم قوة المقاومة.
ويتابع حسونة: "المهم الإشارة هنا إلى أنّ الاحتلال يشعر بالندم مع العجز التام عن إعادة احتلال غزة، نظرًا للتكلفة الباهظة جدًّا، التي من المتوقع دفعها حال الإقدام على خطوة كهذه، وجولات القتال الأخيرة خير شاهد على ذلك".
حكومة مقاومة
ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف: إنّ المقاومة بلغت مكانة عالية في الإعداد والتطوير والتدريب ومراكمة القوة، وهذا تحقَّق لأنّ غزة باتت محررة وبعيدة عن يد الاحتلال وأعوانه، فشهدت تلك الحقبة اندحار الاحتلال عام 2005، ثم فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006.
ويضيف الصواف لصحيفة "فلسطين"، فوز حماس بالانتخابات أعقبه تشكيل حكومة مقاومة؛ الأمر الذي مكّن من تنفيذ عملية "الوهم المتبدد" وأسر الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط والذي تمكنت المقاومة لاحقًا من خلاله بإتمام صفقة "وفاء الأحرار" والإفراج عن نحو 1027 أسيرًا وأسيرة عام 2011، مؤكدًا أنّ "البيئة الحاضنة بعد الاندحار كانت بيئة حاضنة للمقاومة؛ الأمر الذي وفّر جميع المناخات لتطورها بالشكل الذي وصلت إليه اليوم".
ويكمل الصواف: قد يكون للاندحار تأثير في تشكيل حكومة مقاومة، لكنّ فوز حماس في الانتخابات صاحب التأثير الأكبر والأبلغ في تطور المقاومة ووصولها إلى ما وصلت إليه، وهي ما زالت في طور مراكمة القوة وزيادتها بما يُمكّنها من تحقيق أهداف شعبنا بالتحرير.