فلسطين أون لاين

العلاقات بين حماس وروسيا.. أسباب وأهداف

في الوقت الذي تشهد فيه الدبلوماسية الفلسطينية حالة من الضعف والتراجع على المستوى الدولي، الأمر الذي أثر سلبًا على القضية الفلسطينية بسبب ضعف في السياسة الخارجية الفلسطينية المتبعة، وإهمال جانب العلاقات الدولية عامةً، أتاح ذلك الفرصة (لإسرائيل) باللعب على هذا الوتر الحساس، في بناء التحالفات وتطبيع العلاقات مع أقرب المقربين للشعب الفلسطيني، إذ نجحت في تطبيع علاقاتها مع كثير من الدول العربية، والدول الإفريقية، والدول الآسيوية، التي كانت دائمًا وأبدًا تصطف إلى جانب القضية الفلسطينية وتدين إرهاب الاحتلال الإسرائيلي، وفي المقابل تعمل حركة حماس على تعزيز مكانتها الدبلوماسية والدولية واستثمار أي فرصة لصالح القضية الفلسطينية، وفي هذا السياق تأتي زيارة وفد من الحركة لروسيا بناءً على دعوة الخارجية الروسية لها مؤخراً، وفي الغالب تأتي هذه الزيارة لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس في عدد من الملفات، في إطار الجهود الروسية المتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية على رأسها القدس، وغاز غزة الذي يسرقه الاحتلال الإسرائيلي ويسوقه لحسابه، والواضح بأن الحركة بنت جهودها هذه على موقف الخارجية الروسية الذي صدر مؤخراً في الـ14 من نيسان/إبريل الماضي، الذي وصف الاحتلال الإسرائيلي بغير المشروع للمناطق الفلسطينية.

الملاحظ أن هذا التغلغل الصهيوني في قارات العالم قد ألحق ضررًا كبيرًا بالقرارات الدولية إزاء فلسطين، فالصمت الدولي لم يأتِ من فراغ على سياسات سلطات الاحتلال الإسرائيلية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني من القتل الممنهج، والاعتقالات، والقصف والتدمير والحصار المفروض على القطاع، ومصادرة الأراضي والأملاك وبناء المستوطنات عليها، وصولًا للاقتحامات اليومية للأقصى. لذا لم نعد نسمع من أي جهة شجبًا واستنكارًا كما كان معهودًا في السابق، بسبب إفلاس الدبلوماسية الفلسطينية، وعجزها عن استقطاب دول صديقة، ما سهل الأمر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على سلطات الاحتلال الإسرائيلية لاختراق قارات العالم وبناء صداقات وتحالفات تخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، حتى إن بعض الدول غيرت في طريقة تعاملها مع القضية الفلسطينية بسبب تأثير الاحتلال الإسرائيلي على قرارها، في الوقت الذي نحن أحوج إلى تأييد ومساندة من أي جهة، في ظل الظلم الدولي الواقع على القضية الفلسطينية وكيله بمكيالين مقارنة بالقضية الأوكرانية، وطريقة تعامله مع روسيا بالمقاطعة وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية، وفي المقابل يقدم الدعم السخي لأوكرانيا ويسخر كل الإمكانات من أجل إنهاء العملية الروسية العسكرية، على حين يقف متفرجًا على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وأمريكا تقدم للاحتلال الدعم العسكري والمالي والسياسي. وعليه فروسيا ليست دولة مقاومة للاحتلال الصهيوني لكنها دولة مقاومة للهيمنة الأمريكية، وهذا ما تتقاطع به مع حركات المقاومة، رغم اختلافها مع مواقف حركة حماس في عدم الاعتراف (بإسرائيل).

كل هذا دفع بحركة حماس نحو الاهتمام أكثر بملف العلاقات الدولية لاستقطاب دول ومنظمات تصطف بجانب حقوق الشعب الفلسطيني، ومن ثم بناء التحالفات وحشد الطاقات الشعبية للدول الصديقة، بهدف تضييق الخناق على الاحتلال، ومحاصرته محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وفي المقابل توسيع حلقة التضامن على المستويين الرسمي والشعبي لصالح القضية الفلسطينية، وهذا من شأنه خلق حالة من التراجع في قرارات وسياسات الدول التي أقامت أو تفكر في إقامة علاقات مع الاحتلال الصهيوني، عندما تُنقل الصورة الصحيحة برفع اللثام عن وجه الاحتلال الحقيقي وتعريته تمامًا على جرائمه التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني.

لقد كانت حركة حماس محقة في اختيار الوقت المناسب لتوطيد العلاقات مع الدول الصديقة والحليفة لها وللقضية الفلسطينية وبناء تحالفات إستراتيجية في الخارج، كما نجحت في تأسيس قاعدة متينة من التحالفات الداخلية من مختلف فصائل المقاومة والعمل الوطني والإسلامي داخل غرفة عمليات مشتركة، على عكس محاولات الاحتلال الإسرائيلي بإحداث الفرقة بينها، بهدف إضعافها كما حصل في العدوان الأخير على قطاع غزة الشهر الماضي، وقد أثبتت المقاومة أنها عصبة واحدة، بدليل أن الاحتلال سارع من خلال الوسطاء بطلب وقف إطلاق النار، لخشيته من اتساع قطر دائرتها.

لعل أهم أهداف حركة حماس من بناء علاقات صداقة مع وروسيا، هي: أولًا: علاقات الحركة بروسيا تمثل اعترافًا بشرعيتها من قبل إحدى القوى الدولية. ثانيًا: هي بمنزلة شهادة تدحض أي محاولة لشيطنة الحركة وتصنيفها عبر مجلس الأمن الدولي كحركة “إرهابية”، كما يصدر أحيانا من مسؤولين أميركيين، وكما حدث في مشروع القرار الأخير بتجريم الحركة حيث كان للموقف الروسي دور في إفشاله. ثالثا: تريد الحركة بذلك، إفشال روسيا لأي مشروع إدانة للاحتلال والتصدي “للفيتو” الأمريكي. رابعا: تعول الحركة على الدور الروسي في فك حصار غزة والتخفيف من معاناة سكانه، وأيضا تولي الحركة أهمية للدور الروسي في ملف المصالحة الفلسطينية.