"لم أدع وسيلة إلا سعيت وراءها من أجل بناء هذا البيت، فقد استهلك أموالاً كبيرة، والآن أنظر إليه بعدما أصبح كومة من الركام.." بهذه الكلمات بدأ الشاب المقدسي عصام شرف يتحدث عن إجباره على هدم بيته ذاتيًا بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس.
حسرة كبيرة تنتاب المقدسي "شرف" (22 عامًا)، بعد أن فقد بيته الذي سخر له كل ما يملك سعيًا لحياة مستقرة، لكن الاحتلال نغص عليه كل شيء.
وأُجبر شرف على هدم منزله الكائن في حي وادي قدوم ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، بتاريخ 8 سبتمبر/ أيلول بقرار من سلطات الاحتلال.
وأفاد لصحيفة "فلسطين"، بأنه عندما بدأ إنشاء البيت قبل قرابة نصف سنة من الآن، حاول بكل الوسائل الممكنة استصدار تراخيص بناء من بلدية الاحتلال لكنه لم يتمكن بسبب رفضها منحه إياها.
وفي إثر ذلك قرر الشروع بناء منزل مساحته 100 متر مربع، على أرض يملكها في حي وادي قدوم.
ولم يمضِ كثير من الوقت، حتى جاءت سلطات الاحتلال وأخطرته نهاية أغسطس/ آب الماضي، بضرورة هدم بيته بذريعة البناء دون ترخيص.
وقرر هدم المنزل لتفادي الغرامات التي تفرضها بلدية الاحتلال في القدس في حال نفذت هي عملية الهدم، وتصل قيمتها إلى 120 ألف شيقل، وذلك بمساعدة الأهل والجيران والأصدقاء.
وأكد رفضه المُطلق لسياسات الاحتلال ضد المقدسيين، قائلاً: "بأي حق يجبرنا الاحتلال على هدم منازلنا، وهذه السياسة تستوجب تدخل جميع الأطراف وممارسة جميع أشكال الضغوط اللازمة للحد منها".
والبيت الذي أجبر شرف على هدمه بيده كان يفترض أن يتكون من 3 غرف ومطبخ وحمام وصالة ضيوف، وكان هذا الشاب يخطط لإكمال بنائه وتشطيبه بالكامل والزواج فيه العام القادم، لكن سياسة الهدم قلبت حلمه إلى كابوس لن ينساه طيلة حياته.
وتتعمد سلطات الاحتلال اتباع سياسة الهدم في مدينة القدس، في محاولة بائسة لإجبار المواطنين على التخلي عن المدينة المقدسية.
في المقابل تسهل سلطات الاحتلال جميع الإجراءات اللازمة لاستصدار تراخيص البناء للمستوطنين، بهدف تغيير الواقع الديموغرافي في مدينة القدس على حساب سكانها الأصليين.
ووفق إحصائيات أوردها لصحيفة "فلسطين" مسؤول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب، فإن عدد المنشآت التي هدمتها (إسرائيل) منذ 1967 وحتى 31 أغسطس/ آب 2022، وصل 5695 منشأة، 87 بالمئة منها منازل مواطنين مقدسيين.
وبيَّن أبو دياب أن عدد المنشآت التي أُجبر أصحابها على هدمها ذاتيًا وصلت إلى 579 في جميع مناطق القدس المحتلة.
وذكر أن عدد المقدسيين المتضررين من عمليات الهدم بلغ 75,214 مواطنًا.
واستند أبو دياب في إحصاءاته، إلى تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، وجمعيات ومنظمات أهلية وحقوقية، محلية ودولية أيضًا.
وأوضح أن عدد المنشآت التي هدمها الاحتلال في بلدة سلوان وحدها، 2041 منشأة، بينها 134 هُدمت ذاتيا قسرًا، نتج عنها تضرر أكثر من 15 ألف مقدسي.
ونبَّه إلى أن عدد الخسائر المادية لأهالي مدينة القدس نتيجة عمليات الهدم الإسرائيلية، بلغت 670 مليون دولار، وهذا الحد الأدنى، في حين أن مخالفات البناء وصلت إلى 57 مليون شيقل أي ما يعادل قرابة 17 مليون دولار.
وذكر أن عدد المنازل التي تسلمت أوامر هدم من سلطات الاحتلال في القدس بلغ 22354 منزلاً، تضم 125 ألف مقدسي مهددين بالتهجير، لافتاً إلى أنه في سلوان وحدها 6713 منزلا مهددا بالطرد، تضم 34 ألف مواطن على الأقل.
ونبَّه إلى أن عدد سكان مدينة القدس حسب إحصائيات ما تسمى وزارة "الإسكان" في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، 370 ألف مقدسي يحملون "الهوية الزرقاء"، وهم بحاجة سنوية إلى 5 آلاف وحدة سكنية جديدة بسبب الامتداد العائلي الناتج عن التكاثر، توافق (إسرائيل) على منح 1 بالمئة منهم تراخيص بناء، وترفض منحها لـ99 بالمئة.