فلسطين أون لاين

في مثل هذه الأيام قبل 17 سنة

قبل سبع عشرة سنة، كان جيش الاحتلال يتهيأ للاندحار من غزة، وكان الشعب الفلسطيني يستعد لقطف ثمار أول نصر في تاريخه، فهذه هي المرة الأولى التي ينسحب فيها جيش الاحتلال من أراضٍ فلسطينية مدحورًا مهزومًا، تحت ضربات المقاومة وصرخات الغضب.

قبل سبع عشرة سنة كانت غزة تعيش حالة من الضنك والضيق غير المسبوقة، فـ(إسرائيل) تقنن السفر إلى مصر، والمصانع مغلقة، والعمل متوقف، والحياة مجمدة، والطرق بين غزة وخان يونس مقطوعة بحاجز يحمل اسم مستوطنة "غوش قطيف"، والطريق بين غزة والمنطقة الوسطى مقطوعة عند المستوطنة التي كان اسمها "نتساريم"، بل كانت الطريق بين خان يونس ورفح مقطوعة بالمستوطنة التي كان اسهما "ميراج"، وكانت تلك المستوطنات تستولي على 46 ألف دونم من مساحة قطاع غزة، وتسيطر على مفارق الطرق، وكان وزنها لدى حكومات الاحتلال يعادل نهاريا و(تل أبيب)، والخروج منها عن طريق المفاوضات أو المناشدات مستحيل، حتى جاءت انتفاضة الأقصى، وانطلقت المقاومة، فإذا بالمقدس من المستوطنات، يُفكَّك، وإذا بالمواقع العسكرية تُدمَّر بأيدي من أنشأها، وإذا بجيش الاحتلال "الذي لا يقهر"، يتقهقر أمام رجال غزة، ويخرج مع المستوطنين الصهاينة موليًا الأدبار.

وكان يومًا فلسطينيًّا بامتياز، يوم 12/9/2005، يوم الاندحار الإسرائيلي الذليل من قطاع غزة، يومها خرج الناس إلى الشوارع مهللين ومكبرين، واندفعوا بالألوف إلى داخل الأراضي التي كانت مستوطنات، اندفع الناس بعفوية وتلقائية إلى الأماكن التي كانت تطلق عليهم النار، الأماكن التي كانت مغلقة، وتشكل لغزًا يصعب حله، فإذا بالمقاومة تفتح الطريق المغلق، وتفكك رموز اللغز الإسرائيلي؛ الذي اعتمد الوهم والأسطورة في السيطرة على أرض فلسطين.

اندفع الناس من مخيمات غزة ومدنها وقراها باتجاه المستوطنات، دمروا ما ظل منها على قيد الحياة، نهشوها بأظفارهم، وكأنهم ينتقمون، وانقضوا على حجارتها ومقتنياتها في عملية ثأر شرس من الأشياء التي خلفها المستوطنون، وهو السلوك الطبيعي، والتصرف الفطري تجاه مكان خضع لسيطرة العدو سنوات، وأذاق الناس الويلات.

قبل 17 عامًا، انتهى الاحتلال الإسرائيلي المباشر لقطاع غزة، ولكن الاحتلال غير المباشر لم ينتهِ، وإذا كانت المقاومة هي السبب الرئيس في هزيمة الجيش، فالمقاومة نفسها هي السلاح القادر على إنهاء الاحتلال غير المباشر لقطاع غزة، بل المقاومة هي الأقدر على تحرير أجزاء من الأرض الفلسطينية المغتصبة سنة 1948، فمن تذوق لذة الانتصار، سيحرص على تكرار التجربة، والعدو الذي عرف طريق الاندحار والهزيمة، سيسير على الدرب نفسه، بحثًا عن السلامة، وطلبًا للنجاة.

تحرير غزة من الاحتلال المباشر، وهروب المستوطنين والمستوطنات، درس حفظه شباب الضفة الغربية، شباب الضفة الغربية الذين يشتبكون اليوم مع العدو في جنين ونابلس وبيت لحم والخليل، هؤلاء الشباب كانوا أطفالًا زمن الاندحار الإسرائيلي من غزة، ولكنهم تابعوا بفرح وفخر هروب المستوطنين من غزة، لقد هللوا لهزيمة الجيش الإسرائيلي، وصفقوا لمشاهد الانتصار، شباب الضفة الغربية يمشون اليوم على الدرب نفسه، الذي سار عليه شباب غزة قبل 17 سنة، مع الاستفادة من التجربة، والحذر من انقسام الصفوف، والعزم على تحقيق الانتصار الكامل على المشروع  الصهيوني، الانتصار الكامل.