حذر مختصون من حملة سياسية دولية تقودها عدة أطراف لنزع الشرعية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتصفية قضية اللاجئين.
وبيّن هؤلاء خلال ندوة حوارية، اليوم الخميس، أنّ الأزمات المتواصلة التي تتعرض لها الوكالة الأممية وخاصة ما يتعلق بالموازنة المالية، ليس الهدف منها الوكالة بحد ذاتها فحسب، بل قضية اللاجئين وحقّ العودة على وجه الخصوص.
وعقد مركز دراسات اللاجئين الندوة حول أبعاد التحذيرات المتكررة لمفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" فيليب لازاريني، من أنها تواجه أزمة وجودية، وذلك في مقر القصر الثقافي غرب مدينة غزة، بحضور مجموعة من المسؤولين والمختصين والمهتمين بقضية اللاجئين.
والشهر الماضي، أبلغ لازاريني، مجلس الأمن الدولي، بأنّ وكالة "أونروا"، "وصلت إلى آخر إجراءات التقشف، وتواجه الآن تهديدًا وجوديًّا".
وتقول وكالة الغوث، إنها تواجه عجزًا مزمنًا في التمويل يُقوّض جهودها لتقديم الدعم الإنساني والتنمية البشرية جراء تراجع الدعم العربي والدولي لها، منذ أن أوقف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب في آب/ أغسطس 2018، دعم بلاده للوكالة، والذي يبلغ نحو 360 مليون دولار سنويًّا.
وشدّد المشاركون في الندوة، على أنّ اللاجئين يواجهون أوضاعًا سيئة بمخيمات اللجوء في الوطن والشتات.
مصادر التمويل
وأكد الناطق باسم وكالة "أونروا" بغزة عدنان أبو حسنة، على ضرورة تغيير نموذج تمويل وكالة "أونروا" من المساهمة الطوعية من الدول المانحة وجعلها جزءًا من موازنة الأمم المتحدة، في محاولة لتقليل الأزمات المالية والحدّ منها.
وبيَّن أبو حسنة خلال الندوة، أنّ تحركات متعددة يوميًّا من جهات معروفة وغير معروفة على المستوى الدولي تُحرّض على "أونروا"، وتدّعي أنها تسعى إلى إطالة عمر الصراع، وتمارس التحريض عبر مناهجها الدراسية، وتزعم أنّ هذه المؤسسة الأممية "منظمة فاسدة"، ويجب الانتهاء منها".
ونبَّه إلى أنّ الأطراف الدولية العاملة ضد "أونروا" لها قدرة على التأثير لدى أعضاء البرلمان الأوروبي والإدارة الأمريكية كذلك والوصول لدى أصحاب القرار هناك.
وبيَّن أنه في مراحل سابقة كانت وكالة الغوث تطلب ما تشاء من الدول المانحة، لكن في الوقت الحالي تغيرت الشخصيات التي كانت تتعامل معها "أونروا" وتغيرت معها الظروف الدولية.
وذكر أبو حسنة أنّ وكالة الغوث أكثر عرضة للتأثير بالتغيرات السياسية في الدول، وأنّ العديد من الدول المانحة تقدم مساعدات سعيًا للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وبيَّن أنّ الأولوية على المستوى الدولي لم تعد للقضية الفلسطينية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من ملايين اللاجئين الذين انتشروا في دول الاتحاد الأوروبي، لافتًا إلى أنّ التفكير الأوروبي يتركز حاليًّا على إعادة إعمار أوكرانيا.
ولفت إلى أنّ دولًا عديدة أبلغت "أونروا" ألا تنتظر منها مساعدات، مشيرًا إلى أنه منذ عام 1967 كانت مساهمة الدول العربية في الموازنة العامة لوكالة الغوث 7.5 بالمئة، لكنها هذا العام انخفضت إلى 3 بالمئة فقط.
وذكر أبو حسنة أنّ "أونروا" تتجه حاليًّا للعمل والاستفادة من مؤسسات الزكاة حول العالم، مبينًا أنّ الجهات المختصة تُقدر أنّ الزكاة المتداولة حول العالم سنويًّا تريليون دولار، وهي تتنبّه لهذا الموضوع في ظل استمرار الأزمات المالية، وتخلّي بعض المانحين عن التزاماتهم المالية.
وتابع: أنّ إدارة "أونروا" تفهم ما يحدث بأنه سياسي، وتدرك المخاطر التي تواجهها، وهي تتحرك لحلها، موضحًا أنّ الظروف السياسية المحيطة تؤثر على "أونروا" بدليل قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقف تمويل بلاده للوكالة، وتبِع ذلك نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس وزعم أنها عاصمة للاحتلال.
تجديد التفويض
من جهته، قال رئيس دائرة اللاجئين في حركة حماس د. محمد المدهون: إنّ ما جاء على لسان لازاريني، مؤخرًا، مهم جدًا ولا بد من الوقوف عنده مع اقتراب موعد مَنح "أونروا" تفويضًا جديدًا.
وقال المدهون خلال الندوة: مطلوب وبشكل واضح تجديد تفويض "أونروا" ليس لثلاث سنوات كما يُعلَن دائمًا، بل يجب منحها تفويضًا دائمًا.
وشدَّد على ضرورة تقديم الموازنة من خلال الأمم المتحدة وليس من خلال المنح المشروطة من الدول التي تقدم هذه الإعانات، وخاصة الولايات الأمريكية المتحدة.
وحثَّ الدول العربية التي كانت لها إسهامات مقدرة مع وكالة الغوث، أن تستأنف دفع كل المبالغ المالية التي كانت تدفعها سابقًا، من أجل الحفاظ على وكالة الغوث.
وعدَّ أنّ "إنهاء "أونروا" لا يمسّ الجانب الخدماتي للقضية الفلسطينية وإنما الجانب الوجودي، وسيُشكّل ذلك محطة فاصلة وحاسمة إذا وصلنا إلى هذا المستوى".
وشدد على أنّ وكالة الغوث لن تنتهي إلا بتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها.
من ناحيته، أكد منسق اللجنة المشتركة للاجئين، وعضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية محمود خلف، على ضرورة العمل على المستوى الدولي من أجل إيجاد المزيد من سبل توفير التمويل وحل الأزمة التي تُواجهها "أونروا".
وأكد خلف خلال الندوة أهمية المؤتمرات الدولية التي ركزت على التمويل المستدام لوكالة الغوث.
ونبَّه إلى أهمية التأييد السياسي الدولي لوكالة الغوث، مشدّدًا على أنه يجب أن يتبع ذلك تمويل دولي منتظم حتى تتمكن الوكالة من تنفيذ برامج الإغاثة في أماكن عملها الخمسة (قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، سوريا، لبنان).
وأشار إلى ضرورة العمل على ذلك في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتشكيل حراك وضغط شعبي وجماهيري يتزامن مع اجتماعات الجمعية.
ونبَّه إلى أنّ انعكاسات استمرار الوضع الحالي على وكالة "أونروا" خطير جدًّا، وكذلك ستؤثر على جميع القطاعات التي تعمل فيها، عادًّا أنّ بقاء "أونروا" واستمرار عملها يُشكّل عامل أمن واستقرار في المنطقة.