كان لافتاً ما قاله مراسل قناة "كان" العبرية حين شاهد أرتال جيش العدو وهي تتحرك نحو جينينغراد ومخيمها، "لم يبق أي جندي في البلاد" .
تعزيزات عسكرية جرارة وهي الأكبر منذ أشهر، مُدَعَّمة بالطائرات بأنواعها، وكأنهم ذاهبون لغزو غزة أو لبنان، ويعترف العدو أنهم ذاهبون لهدم منزل الشهيد رعد حازم، هذه القامة السّامِقَة لشهيد خاض غمار معركة تل أبيب البطولية والتي شكلت علامة فارقة حين زلزل رعد جنين أركان مدينة كانت فيما مضى حصناً لا يُدْرَك.
جيش الاحتلال النازي بات لا يدري كيف يحتوي جنين الحضور الوازن في قلب العاصفة التي بدأ دوارها يجتاح كيان المستوطنين من كل حدب وصوب وهو يُراقب مرتعداً فرسان كتائب القسام وهي تمارس مناورتها التدريبية القتالية في أحراش يعبد وجنين فيبثون الروح في سفر المجد الخالد الذي عَطَّرتْه تلك البقاع الخالدة بدماء الشهيد الرمز عز الدين القسام ابن جبلة الشام الكبير الذي يُعيدُ ألق أيامه المجيدة ثوار المقاومة الفلسطينية بكل عزم وثبات يقارعون العدو ويشعلون جذوة الجهاد في كل أركان الوطن المحتل.
أما "ألون بن ديفيد" فيقول على القناة "13" العبرية: "إن ما نراه هذه الأيام، في الضفة، يَدُلّ على أن هناك تَغَيُّراً جذرياً بدأ يشق طَريقهُ ليصبح سِمَة الصراع مع الشعب الفلسطيني".
ويضيفُ بأن الجيش يصطاد سَمَكاً في الصحراء، وهو الذي أعدم 85 فلسطينياً بالرصاص الحي خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، ولكن ثبت أن كل فلسطيني يفتح دوائر لا تنتهي من العداء، بل ويؤجج المشاعر لانتقام جديد.
كما يؤكد "بن ديفيد" أن الجيش أمام نوع آخر من الانتفاضة تختلف تماماً عن سابقاتها، فهناك الآلاف من الزجاجات الحارقة والعبوات الناسفة والأكواع المتفجرة ألقيت على الجنود والآليات العسكرية، إلى جانب المواجهات مع حشود لا تنقطع من المتظاهرين الغاضبين وهم الذين يخرجون تملؤهم روح الانتقام في وداع شهدائهم، وأن هذا لا يقتصر على جنين أو نابلس أو الخليل، وإنما أصبح يطال جميع المناطق والقرى والمخيمات الفلسطينية.
لقد أضحت جنين مصيدة الوحدات الخاصة، من اليمام ودوفدفان، ولم تعد اقتحامات المستوطنين للقرى والبلدات الفلسطينية، أو لأساطيرهم الدينية الزائفة نزهة لهو، بل تحولت إلى معارك طاحنة يخوضها رجال المقاومة وهي التي فرضت مرافقة 4 كتائب عسكرية من نخبة ألوية المشاة ومن بينها وحدة من القوات الخاصة ورغم ذلك فقد سقط من بين قطعانهم عديد القتلى والجرحى كما جرى في موقع "قبر يوسف" شرق مدينة جبل النار في نابلس وفي قلقيلية والخليل ومواقع كثيرة أخرى.
ورغم أن سلطة التخابر الأمني تُصَعد حملة الاعتقالات والقمع والشبح وتتقاسم مع أجهزة الاحتلال الأمنية هذه الوظيفة الآسنة الخيانية، إلا أن خلايا أبطال المقاومة المظفرة وقد عمدتها التجارب المُرة الدموية وباتت تعي تماماً كيف تُفاجئ قطعانهم ومعهم سوائب جيش العدو ومستوطنيه، تؤكد الوقائع العنيدة التي نحيا كل يوم أن محاولات إضعاف جذوة الانتفاضة أمست مستحيلة وأن يَدَ المجابهات ستكون العليا دوماً بمواقف ثابتة ممتلئة إيماناً بالله ناصر المجاهدين المؤمنين واستعداداً للتضحية من أجل قضية عادلة ووطن مقدس.
ويؤكد شعبنا الفلسطيني في الضفة أن المقاومة هي خياره وأنه يحاصر اليوم ويطارد جيش الاحتلال، وهذا ما يشكل جوهر المأزق الوجودي الإستراتيجي لقادة العدو الذي بات يعي يقيناً أن سلطة عباس غير قادرة على أداء الدور الذي رُسِمَ لها رغم كل محاولات الإسناد بالمال والسلاح وليس فقط من قبل (تل أبيب) وإنما أيضاً من قبل واشنطن والمطبعين العرب.
ودولة العدو التي تحاول إبقاء رأس السلطة فوق الماء ووقف التحلل الذي يجتاح بُناها يذهب أدراج الرياح رغم كل محاولات الحقن اليائس الجارية منذ أكثر من عقدين دون جدوى.
لقد شهدت الفترة المنصرمة وحتى الآن عملية انزياح لموازين القوى لصالح حركة حماس التي راكمت إنجازات جمة لا تخفى على حصيف، خاصة أن هذا وقع على أرضية المواجهة الفعلية لعدوانات مفصلية على قطاع غزة استخدم فيها العدو ترسانته الضخمة من الأسلحة التقليدية المتطورة وتلك المحرمة دولياً دون أن ينجز هدفاً إستراتيجياً واحداً يستنزف فيه رجال حركة حماس في كتائب عز الدين القسام، ومعها الأذرع المسلحة لحركة الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الأخرى.
ولا بد من التأكيد هنا أن المقاومة الموحدة نجحت في مراكمة نقاط قوة فعلية شكلت رادعاً لا يمكن إنكاره لجيش العدو الثقيل والجرار من جهة، كما أن فصائل المقاومة تمكنت كذلك من لي عنق سياسة جز العشب التي يعتمدها الاحتلال في معاركه بين حربين كما كان يفعل وتحديداً قبل عام 2006 حين كان يرغب في فرض هدوء على جبهات القتال في قطاع غزة أو في الضفة الفلسطينية وفي القدس المحتلة ولم تنجح محاولات قادة العدو في إضعاف غزة، أو في كبح جماح الضفة المتوثبة، وهذا ما يراه اليوم بأُم العين في تواصل العمليات التي بدأت تصل مناطق لم تشهد تنفيذ هجمات ناجحة ومقلقة منذ زمن بعيد نسبياً.
عديد الدلائل الحسية تشهد بأن قطاع غزة يقف بالمرصاد للرد على أي تطور خطير يهدد المقدسات أو أي تجاوز للخطوط الحمر يمس الثوابت الوطنية في الوقت الذي تُبدي فيه فصائل المقاومة ممثلة بغرفة العمليات العسكرية المشتركة والمواقف السياسية المشتركة التي تؤكدها الاجتماعات المفتوحة بين قادة فصائل المقاومة التي تجتمع اليوم على برنامج وطني مقاوم موحد لمواجهة استحقاقات محاولات العدو البائسة لفرض تقاسم زماني ومكاني في القدس عاصمة فلسطين الأبدية الموحدة وكمركز للصراع الذي يستعر ويتصاعد، وتذكر صحيفة "يديعوت أحرونوت العبرية" أن العمليات الأخيرة في الضفة هي أحداث غير اعتيادية، وعلى جانب كبير من الخطورة فهي ذات مستوى تقني عالٍ ومخطط لها، وتحدث في وقت معقد للغاية، وتضيف الصحيفة أن الجيش فشل في إنجاز أهدافه وهو الذي دَفَعَ جميع المدن الفلسطينية إلى بؤرة المقاومة، وفشل أيضاً في إحداث فصل بين مدن شمال الضفة ورام الله والخليل وبيت لحم.
كما أشارت المصادر الأمنية تعليقاً على العملية التي وقعت ظهر يوم الأحد الماضي في منطقة غور الأردن، وأدت إلى جرح 7 من جنود جيش الاحتلال بأنها عملية جريئة وخطرة وتجري في وضح النهار، وهي مؤشر على إصرار المقاومة على استمرار وتصاعد العمليات، وتقدر تلك الأوساط بأن العمليات ستتسع لتشمل كل الضفة وستستهدف العديد من المواقع.
وتؤكد الأوساط الأمنية أن العملية خُطِّطَ لها بعناية، وأن الرجال رصدوا المنطقة جيداً واستطلعوا حركة دوريات الجيش، وقد كانوا بانتظار نقل الجنود، وفي الموعد المحدد لتنفيذ هجومهم، وأن الجيش يتوقع المزيد في الأيام القادمة.
ونقلت قناة "ريشت كان" بأن العمليات قد تضاعفت عدة مرات في عام 2022 إذا قورنت بعام 2021.
الضفة تمضي على طريق الاشتباك المتعاظم وقرارها عَبَّرَ عَنهُ بكل اقتدار أيقونة المقاومة والد الشهيد رعد، الفارس فتحي حازم الذي أصبح مطارداً هو وعائلته لجيش القَتَلة، حين رفع راية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" محاطاً بحماة الوطن؛ مقاومي كتائب القسام وبرفقة قامات رجال فصائل المقاومة، وقال: "لله دركم يا أهل فلسطين وأهل جنين، ما أجسركم، من أي طينة خُلقتم أيها الأبطال؟".