يصف نفسه بالعصامي الذي طور موهبته الفنية بالمطالعة الفنية والعمل والمثابرة، هكذا يُعرِّف الفنان الجزائري شمس الدين بلعربي عن نفسه.

ففي عمر الخامسة عثر بالصدفة على صفحات جرائد ملقاة على الأرض حينما كان يرعى غنم الأسرة، شدته صور النجوم، فأعاد رسمها بعود خشبي على الرمال، لتأخذ بيده الأيام متخصصًا في رسم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، ومع ذلك فإن لفلسطين وغزة نصيبا من لوحاته في الوسط الفني.

شمس الدين (35 عامًا) من مواليد مدينة مستغانم بلدية عين تادلس غرب الجزائر، مصنف أنه آخر فنان عربي وإفريقي متخصص في هذا المجال.

عندما بلغ سن السادسة انتقل إلى المدينة، والتحق بالمدرسة، وحينها بدأ المعلمون يكتشفون موهبته، وقد لاحظوا تأثير البيئة الرعوية وانعكاسها على أعماله الفنية، لأن الطبيعة لها وقع خاص على لوحاته.

يقول بلعربي لصحيفة "فلسطين": "يمكن أن أصف نفسي بالعصامي، لم أتمكن من إكمال تعليمي في المدرسة بسبب الوضع المادي لعائلتي، ولكني استطعت أن أطور قدراتي الفنية بمطالعة الكتب الفنية والعمل والمثابرة، فأنا أرسم يوميًا عدة ساعات، واستطعت أن أكتسب التجربة بفعل الممارسة، كما أنني أبحث دائمًا في المواقع الفنية الإلكترونية".

ويسرد: "في عيد ميلادي فاجأتني زوجة عمي الألمانية وأهدتني كتاب رسم، وهذا شجعني كثيرًا، وبدأت أولي الأهمية لمادة الرسم أكثر من الرياضيات والفيزياء، ولكوني من عائلة فقيرة اضطررت إلى ترك المدرسة والخروج إلى الشارع لامتهان الرسم حرفة، مثل تزيين المحلات التجارية والديكور، وصدمت بأن الشارع قاسٍ جدًا، تعرضت للاستغلال من بعض الناس الذين امتصوا طاقتي الفنية".

يضيف: "كنت أعمل تحت أشعة الشمس الحارقة، وأحمل السلالم الحديدية وأنا ضعيف الجسد، إذ إن الشمس كانت تسخن السلالم فأحملها فتسبب لي حروقًا في يدي".

لكن الشارع لم يخلُ من الطيبين، كما يقول بلعربي، فقد كنت ألتقي بأناس قدموا لي يد المساعدة، وعندما أمر بجانب قاعات السينما أشاهد الصور الضخمة لنجوم السينما عند أبواب القاعة، وعند عودتي إلى البيت أرسم كل ما شاهدته على أوراق الرسم.

يعيش بلعربي في بيت مهترئ، يبللهم المطر شتاء فيتلف له الكثير من رسوماته التي كان يفكر إرسالها إلى الخارج. استطاع إرسال بعضها إلى شركات إنتاج سينمائية بواسطة البريد. مرت سنوات ولم يصل إليه أي رد".   

الطريق إلى العالمية

حتى جاء اليوم الذي تلقى فيه رسالة من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع هوليود عرف بأعمالي، فبدأت أتلقى طلبات من مخرجين ومنتجين، وعملت الكثير من ملصقات الأفلام العالمية، أذكر منها: (The News و Honor وGarra Mortal ).

صعد بلعربي على منصات التكريم، وعليها أخبره خبراء سينمائيون بأنه آخر عربي وإفريقي لا يزال يصمم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، أي من طريق الرسم والفن التشكيلي، وتم تسجيل اسمه في القاموس العالمي للسينما العالمية (IMDB)، كما تم تسجيل قصة حياته إلى جانب عمالقة السينما العالمية في كتاب أصدرته مؤسسة هوليود العالمية.

ويرى بلعربي أن موهبته ومحبته لرسم كل ما هو فني وسعيه لإسعاد الناس عوامل ساعدت في بناء نسيج اختياره الفني، وبات يحب رسم الشخصيات التاريخية والوطنية العربية، وكذلك الشخصيات الفنية والسينمائية التي تتمتع بالأخلاق وتدعم القضايا العادلة.

بلعربي وفلسطين

وعن حضور فلسطين في رسوماته يوضح أنه ترعرع على حب القضية الفلسطينية، فمنذ طفولته يحب القدس فرسم الكثير من لوحاته عن فلسطين وآخرها (ورود غزة) التي عدها تكريما للأطفال الذين راحوا ضحية العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، كما رسم جدارية تكريمية للشهيدة شيرين أبو عاقلة، وغيرها من الجداريات في شوارع الجزائر.

ويشير بلعربي إلى وجود علاقة قديمة بين الجزائر وفلسطين منذ أن بنى الجزائريون الذين حاربوا مع صلاح الدين الأيوبي باب المغاربة نسبة للمغرب العربي الكبير، وأيضا الشهداء الذين استشهدوا على أرض فلسطين في الحروب العربية ضد الكيان الإسرائيلي. 

ويرى أن للفنان الجزائري دورا في مواجهة التطبيع وحشد الرأي العام تجاه القضية، وخاصة بعد تطبيع العديد من البلاد العربية مع الاحتلال، فكثير من فناني الجزائر عبروا عن سخطهم على الدول المطبعة مع الاحتلال.

وتحدث بلعربي عن تجربته في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نشرت رسوماته عن فلسطين، وكشفت الكثير من جرائم الاحتلال.

وقد شارك في الكثير من المهرجانات الوطنية والعربية والعالمية في مصر ولبنان وتركيا وسويسرا وأمريكا، وتم تكريمه بصفته ضيف شرف في المهرجان العالمي للفيلم الشرقي بجنيف بسويسرا، وصنفته مجلة مؤثرون الأمريكية الشهيرة عام 2020 أنه شخصية مؤثرة.

ويحلم بلعربي أن يزور مدينة القدس، ويرسم تفاصيلها وهي محررة، ويتجول في كل ربوع فلسطين حرة مستقلة.