تشهد الضفة الفلسطينية المحتلة تصاعدًا ملحوظًا لعمليات فصائل المقاومة وانخراطًا أوسع للمقاومة الشعبية في جُلِّ المدن والقرى والمخيمات وسط معطيات تؤكد بأن إرهاصات الانتفاضة الجماهيرية الشاملة أضحت على الأبواب.
وَيربطُ محللون صهاينة ذلك بالهجمة الدموية لقوات الاحتلال وازدياد وتائر ذلك والمتمثل في العمليات العسكرية والاغتيالات وحملة الاعتقالات المتسارعة التي تعكس هستيريا العدو من اتساع رقعة المقاومة الفلسطينية وحجم العمليات النوعية ودقتها وقدرتها على مفاجأة العدو عددًا وعدة وتنفيذ العمليات بالتزامن في أكثر من موقع في منطقة واحدة وكذلك الغطاء الجماهيري المتعاظم المشارك وسرعة استنفاره الذي يشتت قوات الاحتلال ويربك أداءها بل ويوقع خسائر جَمّة في صفوفها.
كما أن ما يزيد كُلفة هذه الهجمات العسكرية أنها باتت تفرض توزيع قوات العدو على مواقع عديدة في شمال الضفة الفلسطينية المحتلة وبدء التحرك جنوبًا في محافظة الخليل وفي القدس العاصمة على نحو دفع قيادات العدو السياسية والعسكرية لعقد الاجتماعات المتتالية نظرًا للأهمية الجيوسياسية التي تشكلها ضفة "يعبد" القسام كتهديد حقيقي وهي تتداخل عميقًا في بناه الاستيطاني وطرقه الالتفافية وعلى تماس مع معسكراته وحواجزه المنتشرة كالفطر في كل ركن من الضفة المحتلة، إلى جانب قدرتها على الوصول إلى عمق مدنه وتجمعاته الاستيطانية وسط فلسطين المحتلة عام 1948 وقلقه العميق من ازدياد عودة العمليات كما جرى في بئر السبع والخضيرة وتل أبيب واللد ويافا وحيفا والقدس وما يمكن أن تقوم به فصائل المقاومة الفاعلة من عمليات استشهادية تزلزل الكيان النازي ردًّا على هذا الولوغ في الدم الفلسطيني على يد جيش كولونيالي مُحتل تتوزع قياداته بين متطرفين ومن هم أكثر تطرفًا.
كما تشي دموية الاحتلال وَتَخَبط قواته في اقتحام ذات المدينة أو المخيم أو الموقع لأكثر من مرة في اليوم الواحد أو الأسبوع الواحد، بضعف سلطة عباس بأجهزتها الأمنية المتخابرة وبدء تفككها، ووحدة الشعب والتفافه حول مقاومته الباسلة التي بات الجيل الشاب يشكل حجر الرحى فيها نقيضًا لدعاوى عباس بأنه نجح في تطويع وتطبيع الضفة التي تَخرجُ عليه اليوم بكليتها، وكانت معارك "سيف القدس" المحطة الفاصلة التي أَعَلنت وحدة الشعب في كل أماكن وجوده دفاعًا عن ثوابته ومقدساته في صمود لا ينحني واستعدادًا للتضحية حتى تعلو كلمة الحق، وهذا ما تؤكده وقائع الأسبوع الماضي الذي أُصيب خلاله 12 صهيونيًا من سوائب الجنود وقطعان المستوطنين في 38 عملية إطلاق نار وطعن وإلقاء العبوات الناسفة.
عباس يهوي وَوَرثته ينهشون لحوم بعضهم بعضًا، وخطة الجنرال الأمريكي كيث دايتون لتدريب وتأهيل "الفلسطيني الجديد" تذهب أدراج الرياح وأمست عملية تجريف المقاومة من أضغاث أحلام كلاب الأثر حين رَصَّ الشعب المرابط صفوفه وما عادت انشغالاته بلقمة العيش تكبله وتغنيه عن مقارعة العدو حيث وجد، وقد استعادت الفصائل الحَية عافيتها وعنفوانها.
لقد كسر الشعب ومقاومته المقتدرة حاجز الرعب والبطش وَرَد سُعار مستوطني وجيش العدو الغادر إلى نحره، وقد لَخَّص ذلك المراسل العسكري الصهيوني "أورهيلر" بالقناة العاشرة، لحظة اقتحمت قوات العدو جنين في الآونة الأخيرة، حين قال: "لم أُصدق أن أكثر من 1000 شاب كانوا يحاصرون آليات الجيش ويلقون زجاجات المولوتوف والحجارة، وبكل الجسارة ضرب أحد الفتية باب الجيب العسكري الذي كنت فيه أرافق الجنود وكان يصرخ "افتح، افتح، ولم يكن يحمل غير الحجارة". ويضيف هيلر: "عجيب جدًّا أمر هذا الجيل، فهو لا يخاف رغم كثرة الجنود المدججين بكل ما هو مميت حتى الأسنان، فقد كان هناك أكثر من 50 دورية وجرافة وقد أصيب أكثر من سبعة شبان بالرصاص الحي، ولكننا لم نُرعب أحدًا"!
وكشفت "صحيفة معاريف" العبرية صباح الجمعة الماضي بأن أشد ما يقلق المؤسسة الأمنية الصهيونية في الضفة المحتلة هو ازدياد شعبية حركتي حماس والجهاد واهتراء السلطة، إن هذا أصبح مثار قلق ورعب شديدين أكثر من قطاع غزة وحتى من حزب الله في لبنان.
ويتابع تعليق "معاريف" بأن اتجاه تصاعد المواجهات المنظمة يكتسب زخمًا وقد ازداد بثلاثة أضعاف وهو يغطي مناطق شاسعة في المخيمات والطرق السريعة والالتفافية ضد الجيش والمستوطنين.
كما علق "روعي شارون" المحلل العسكري لقناة "كان" العبرية أن توصيات المستوى الأمني تركز على ضرورة تقوية سلطة عباس وهو يتوقع زيادة العمليات، فالسلطة تزداد ضعفًا في الميدان، والخلايا المسلحة تتكاثر وتتجول وعمليات إطلاق النار زادت بمئات المرات رغم مُضاعفة الاقتحامات في الوقت الذي كشف فيه النقاب المسؤول السابق للتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية لمقاطعة العار "موشيه إلعاد"، أن "حركة فتح وسلطتها بادرتا وبإلحاح لتعزيز التنسيق الأمني حين أدركتا أن فرص النجاة أصبحت ضعيفة تمامًا بعد ثلاثة أحداث أساسية وهي: وفاة عرفات، وفوز حماس الساحق في انتخابات 2006 وأحداث عام 2007 في قطاع غزة".
ولفت "إلعاد" الذي يعمل محاضرًا في كلية الجليل الغربي بمدينة عكا المحتلة إلى "أن تنسيق السلطة تزداد وتائره لمعرفتها أن بقاءها يفرض الاستمرار في نقل معلومات استخبارية هامة وتمكن جيش الاحتلال من اعتقال عناصر حركتي حماس والجهاد، وأن أجهزة عباس وأمن العدو يعملان تحت شعار تطبيق اسمه "شركاء" بهدف تسهيل إحباط أي عمل شعبي أو مقاوم بكل السرعة الممكنة"!
كما يقول الكاتب والخبير الأمني "يوسي ميلمان" في مقاله في "ميدل إيست آي": "إن الخطر الأكبر الذي ينبغي لـ(تل أبيب) التنبه له، لن يكون قادمًا من إيران، بل من الضفة الفلسطينية".
ضفة فرسان القسام تتوثب نحو الانعتاق ويخرج مقاتلوها في وضح النهار، ويشكل شعبها المقدام دروعًا بلحمهم الحي حماية لأبطال المقاومة وتراب طاهر مستحيل وَعَصيّ على الركوع.
إنها مرحلة المقاومة والانتصارات على طريق بناء جبهة وطنية متحدة تتمسك بالثوابت حتى كنس الاحتلال وبناء وطن حر مُستقل.