تزداد الأوضاع الأمنية تعقيدًا في مشهد الضفة الغربية من حيث نوعية المعادلة وكميتها واتجاهها وجغرافيتها، فالاحتلال ومنذ أن أعلن ما تسمى "عملية كاسر الأمواج"؛ سُجِّل ازدياد واضح في عمليات المقاومة بالتزامن مع إستراتيجياتها وتعزيز بؤرها العسكرية ونوعية عملياتها، وأضيفت مؤخرًا جغرافيا العمليات التي امتدت للوسط وطالت الأغوار.
في هذه الزاوية يمكن القول إن المشهد تعقد أكثر ولا سيَّما أن الاغتيالات باتت يومية وبدقة ونوعية، ومع ذلك عاد كل هذا الإجراء الأمني بالنتيجة العكسية على الاحتلال ومستوطنيه وأعوانه.
فهدف تلك الحملات العسكرية والأمنية إعادة الضفة الغربية للعقد الذهبي الذي عاشته قوات الاحتلال واستغله المستوطنون في السيطرة الجغرافية وتفكيك المنظومة العسكرية والأمنية والمجتمعية في الساحة الفلسطينية، بل وضخ الكم الهائل من التشويه الإعلامي والمعنوي لأي فكر مقاوم، واستخدموا في ذلك معادلة الانقسام الفلسطيني، وغيرها من مصطلحات الخبث الأمني التي كانت تخفي هدفًا إستراتيجيًّا خلفها وهو ضفة آمنة لمشاريع تهويد متسارعة يغطيها سلام اقتصادي ووهم سيادة فلسطينية ووعد انتخابي أمريكي لدولة فيها حياة وخطاب سنوي في أروقة الأمم المتحدة تقام له المواكب والهمبكات.
بعد انهيار العقد الذهبي من تلك المهزلة السياسية وذلك على مراحل مفصلية كما معارك العصف المأكول في قطاع غزة ٢٠١٤ وانتفاضة القدس في الضفة الغربية ٢٠١٥ وانتصار إزالة البوابات في القدس ٢٠١٧، تلتها معارك الأسرى وصولًا لسيف القدس التي وضعت حدًّا للهيمنة والاستفراد وتقسيم الجغرافيا وبددت وهم هذا المخطط.
استمرت المعادلة تعقيدًا حتى نشأت وقويت معادلة جنين تلتها قباطية ومحيط جنين ونابلس القديمة وبلاطة المخيم وصولًا إلى رام الله سلواد وقلنديا، وعلى وقع هذا التمدد كانت حملة "كاسر الأمواج" ترتطم بحجم الأمواج وضخامتها التي امتدت للعفولة والخضيرة والنقب ومستوطنات الضفة وصولًا للأغوار الهادئة.
جاء الاحتلال بما سموه زمام المبادرة مستغلين ظرفًا أمنيًّا في غزة ومعادلة أعمق تستوجب هدوء العاصفة، ونفذوا أعمالًا وحشية امتدت لنابلس وجنين، وتبجح قادة الاحتلال أن زمام المبادرة بيدهم حتى أنهم ضربوا اليمن بالتزامن مع عدوانهم الأخير على غزة ٢٠٢٢، فجاءت عمليات القدس و(تل أبيب) وسلواد ونابلس.
كل هذا من أجل تغيير حقيقة العقد الجديد من المواجهة، هذا العقد الذي بات الاحتلال يرى فيه مجموعات عسكرية كاملة مسلحة ومجهزة في جنين ونابلس، هذا العقد الذي باتت الحاضنة الشعبية فيه أكثر إيمانًا بالتحرير وخيار المقاومة، هذا العقد الذي توقع الاحتلال خلاله هدم المسجد الأقصى المبارك وبناء "الهيكل" المزعوم وضم الضفة الغربية وإزالة العلم الفلسطيني جاء بعكس أهدافهم؛ فالرباط المقدس في الأقصى تلاقى من نهوض الضفة الغربية مسندًا بالإعداد والتجهيز في غزة.
لذلك، المحاولة حتى اللحظة تعد الأفشل بل وتكاد تكون عبثًا في عش دبابير بات منتشرًا أكثر، حتى إن "كاسر الأمواج" انكسر وزمام المبادرة فلت وبات في يد من يقرر حقيقةً، وحتى بعد تهديدات جيش الاحتلال واغتيالاته كل المؤشرات تقول بأن التصعيد في الضفة الغربية أربك حسابات كثيرين وأعطى فرصة مهمة للمستنفرين إعدادًا وتجهيزًا، وغطى ثغرة كاد الاحتلال أن يستخدمها ليضرب بيد من حديد في إطار الكاسر والزمام، فجاء الواقع الجديد بزمام قوي وأمواج عاتية ستكون أقوى حسب المقارنة من أول يوم في تلك الحملة التي استخف بها الاحتلال، فعد الكاسر وقاية وقص العشب هواية.
انتهى العقد الذهبي الذي كان من نهاية ٢٠٠٥ إلى أكتوبر ٢٠١٥.