أفاقت عائلة الأسير موسى أبو محاميد (40 عامًا) من قرية "بيت تعمر" شرق مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية أول من أمس على خبر استشهاده في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي نتيجة الإهمال الطبي الممنهج بحقه.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت "أبو محاميد" عندما حاول الدخول لمدينة القدس المحتلة في 6 يونيو/ حزيران 2021 بحثًا عن عمل يعينه على مواجهة الحياة ويوفر له مصدر دخل، وتجاهلت إدارة سجون الاحتلال بذلك وضعه الصحي، فهو مريض بـ"تشنج عصبي" ويحتاج إلى رعاية خاصة وأدوية ومهدئات لم توفرها إدارة السجون طيلة مدة أسره، حتى تفاقمت حالته في إثر ذلك.
لم يكن خبر استشهاد "أبو محاميد" مفاجئًا لعائلته وإن نزل كالصاعقة على قلوبهم، فقبل أسبوع زاره والده وعاينه وهو "جثة هامدة ماتت أعضاؤه، فلم يبقَ منه إلا نبضات قلبه، في حين تملأ الوصلات الطبية أنفه وجسده".
وقبل استشهاده؛ انقطعت أخباره فجأة، ما دفع شقيقه حسن لتقديم طلب لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتجديد التصريح الذي يمكِّن والده من زيارته في السجون، إلا أنّ اللجنة أخبرتهم بأنّ الاحتلال أفرج عنه في 7 أغسطس/ آب الماضي، فساورته الشكوك بأن أمرًا ما دُبّر لشقيقه.
جريمة مركبة
الحزن يملأ صوت شقيقه حسن وهو يروي لصحيفة "فلسطين" ما حدث: "بعدما أبلغني الصليب الأحمر بأنه أُفرِج عنه، توجهت للمؤسسات الحقوقية والإنسانية للتحري عن مكان وجوده، حتى علمنا بأنه جرى نقله للمشفى في 13 يونيو/ حزيران الماضي، دون إخبارنا أو إشعارنا".
أضاف بغضب: "بعد معرفتنا بوجوده في المستشفى تمكن والدي من زيارته، فرآه في حالة صعبة، إذ كان يعيش على أجهزة التنفس والوصلات الطبية"، متهمًا الاحتلال بارتكاب جريمة مركبة ومكتملة الأركان؛ باعتقال مريض يحتاج إلى رعاية خاصة، وانتهاج الإهمال الطبي بحقه، وإخفاء الجريمة.
واستذكر يوم اعتقاله، بأنّ قوات الاحتلال تعاملت معه "بلا رحمة"، إذ حدث معه تشنج لحظة اعتقاله بالتزامن مع نشوب خلاف بينه وبين الجنود، وبدلًا من التعامل الإنساني معه، ضربوه، ومن ثم حُكم عليه بالسجن سنة وثلاثة أشهر "وكان والدي يزوره كل 45 يومًا".
وفي حادثة مشابهة، كانت قوات الاحتلال قد اعتقلت "أبو محاميد" عام 2017 عندما حاول الدخول للعمل في القدس، بذريعة عدم وجود تصريح، وحُكم بالسجن سنة ونصف السنة.
يعلّق شقيقه "تعامل الاحتلال معه بلا رحمة أيضًا في تلك المرة، ففي إحدى جلسات المحاكمة تعرض لحالة تشنج وتشاجر مع أحد الجنود الذي قام بتفريغ علبة غاز في فمه، أثرت على رئته، ومكث على إثرها في العناية المكثفة لمدة شهرين".
يستذكر حسن: "بعد ذلك كنت أنا من أستلمه، وكان يجب التعامل معه بالطريقة ذاتها هذه المرة وتسليمه لنا، لا أن يهملوا حالته الصحية، فأخي يتلقى أكثر من خمسة أنواع من الأدوية في مشفى بيت لحم، وهذه المرة انتهج بحقه سياسة الإهمال الطبي في عيادة سجن الرملة حتى ارتقى شهيدًا، وسبب فعلهم ضده لا يزال غامضًا".
ينبعث القهر من صوت شقيقه "كان يفترض إبلاغنا بما حصل معه، أو السماح له بالحديث معنا لنفهم ما يحدث له"، رافضًا التسليم برواية الاحتلال بإصابته بجرثومة أدّت لاستشهاده.
وأضاف: "طبيعة ما جرى مع أخي وتزوير تاريخ الإفراج عنه يُدلّل على حدوث مكروه له، وتَسبُّب السجانين بمضاعفات خطيرة له أدّت لاستشهاده"، متهمًا الاحتلال بإخفاء وطمس الجريمة.
وفي عام 2013، وفي أثناء مروره أمام حاجز "قلنديا" أطلق جنود الاحتلال النار على قدمَي "أبو محاميد" ومكث في المستشفى عدة أشهر، ومكثت آثار رصاصَتين فيهما حتى استشهاده، والكلام لشقيقه.