فلسطين أون لاين

اللقب الأحب إلى قلبها

ثبات "شيخ الأقصى" عزز في نفس "منتهى المقدسية" قيمة الرباط

...
المرابطة منتهى أبو شقرة
أم الفحم-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

نشأتها في عائلة كرّست حياتها للحفاظ على المسجد الأقصى شجعها ذلك على شق الطريق ذاته، مهما كلف الأمر من تضحيات وعواقب، فكان وما زال ثبات خالها شيخ الأقصى "رائد صلاح" يمدها بالعزيمة على مواصلة الطريق، والتمسك بحقها مسلمةً في الرباط في أولى القبلتين.

فمنذ نعومة أظفارها لا تجد المرابطة منتهى سليمان أبو شقرة "أمارة" (من قرية زلفة قضاء مدينة أم الفحم) متعةً تعادل متعة شد الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط فيه، فالأمر عندها إيماني وعقدي، تقول: "ديننا يوجب علينا الرباط في الأقصى والصلاة فيه، والدفاع عنه ضد المحتل الذي يريد إلحاق الأذى به".

شيئًا فشيئًا زاد وجود "منتهى" في الأقصى بدءًا من تسعينيات القرن الماضي فصاعدًا، تضيف: "فكلما تقدمتُ في العمر زاد إحساسي بالمسئولية تجاه مسجدي وانتمائي لديني ووطني، وتفتحت بصيرتي على آلام وأوجاع وطني".

ولوجودها شبه الدائم في الأقصى، واعتداءات قوات الاحتلال عليها؛ برز اسم "منتهى أمارة" إعلاميًّا إحدى أهم المرابطات في المسجد، ما دفعها للتركيز على الجانب الإعلامي أحد أبرز مجالات المعركة المفتوحة مع الاحتلال.

تتحدث: "أصبحتُ مواظبةً على توثيق ما يحدث في الأقصى بالصوت والصورة، وتصوير جوانبه وأركانه، لكي تصل قضيته إلى العالم، ولأروي عطش قلوب المسلمين في فلسطين والعالم بأسره الذين يحلمون بزيارته والصلاة فيه".

لكن طريق "منتهى" ليس بالسهل أبدًا؛ فقد اعتقلت من باحات الأقصى أو من منزلها أكثر من عشرين مرة، ودوهم وفتش منزلها مرارًا، وفي كل مرة يحقق معها ساعات طوالًا، تقول: "ولم يقتصر الأمر عليّ، بل امتدّ ليطال والدتي المسنة التي تجاوزت سبعين عامًا، ناهدة صلاح محاجنة".

فوالدة "منتهى" هي كذلك من أهم المرابطات في الأقصى، "وهي شقيقة الشيخ رائد صلاح"، وعلى كبر سنها حريصة هي ومجموعة من النساء في الداخل الفلسطيني على الوجود الدائم في الأقصى، ووالدها الشيخ سليمان أبو شقرة أحد مؤسسي الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًّا.

أُبعدت منتهى مرارًا عن المسجد مدة بلغت تقريبًا عامين ونصف، تضيف: "حتى عندما أبعد أذهب إلى القدس المحتلة، وأجلس بالقرب من أبواب البلدة القديمة وأصلي هناك، المهم أنْ أكون قريبة من الأقصى، وأن أقهر الاحتلال بوجودي".

أقسى العقوبات

وترى "منتهى" الإبعاد "أقسى أنواع العقاب" الذي يمارسه الاحتلال بحق المرابطين، قائلة: "فأنت تشعر بالقهر عندما تكون على بعد أمتار من الأقصى ويمنعك المحتل البغيض من دخوله، لكننا نقهرهم بوجودنا حول أسواره، رغم الإبعاد، في حر الصيف وبرد الشتاء، في رسالة لهم بأننا أصحاب المكان".

وخلال "مسيرة الأعلام" الأخيرة للمستوطنين اعتقل الاحتلال أمارة عدة ساعات ثم أفرج عنها، فكانت شوارع البلدة القديمة خالية من المقدسيين تقريبًا بسبب الطوق الأمني الذي فرضه جيش الاحتلال، "خرجت وحيدة في الشوارع التي كانت تعج بالمستوطنين، ما شكل خطرًا كبيرًا على حياتي، حتى رآني أحد الشباب المقدسيين وأضافني في منزل عائلته، ولم أستطع العودة لبيتي إلا في منتصف الليل عندما انقشع غبار المستوطنين"، والكلام لأمارة.

ولما كانت هي ووالدتها تنظمان رحلات نسائية من الداخل المحتل إلى المسجد الأقصى؛ فإن الاحتلال حظر على بعض شركات النقل في أم الفحم التعامل معهما، مُهددًا القائمين عليها بسحب الرخص وعقابهم في حال تعاملهم معهما.

لم تعدم "أمارة" وسيلة، فأصبحت تحجز الرحلات من طريق نساء أخريات، في حين تذهب هي ووالدتها وخمس من المرابطات المفروض عليهن حظر إسرائيلي بسيارة أخرى.

وتعشق "أمارة" مناداتها بـ"المقدسية"، فاللقب ليس لمن يسكن القدس فقط، بل أيضًا لمَنْ يبيع نفسه لأجل المسجد الأقصى، فهي تقطع مسافة 300 كيلومتر ذهابًا وعودة من الأقصى، بمعدل أربع ساعات للرحلة الواحدة.

وتضيف: "صحيح أن الطريق مرهق، لكن فيه لذة لا يعلمها إلا الله، فالتعب يهون من أجل الأقصى، فالله يمدنا بالقوة ويعيننا على المشقة التي نتكبدها".

ومتى تطأ "أمارة" عتبة الأقصى لا تجلس في مكان واحد أكثر من نصف ساعة، بل تتجول في جميع أنحائه، وتطمئن على جميع أرجائه.

من له بمثل خالي؟!

تستمد صمودها من صمود خالها الشيخ صلاح، الذي لم تزده الاعتقالات والإبعادات ومحاولات القتل إلا "قوة وثباتًا"، لم يفت منتهى التعريج على هذا، قائلة: "نحن الرابحون لأننا أهل الحق وهم أهل الباطل، ونحن المقيمون الثابتون وهم راحلون، مهما طال الزمن، فلو أننا ننظر إلى الأمر من منظور ميزان القوة الأرضية لظننا أننا مهزومون، لكننا متيقنون بالموازين الإلهية أن الحق سيعود لأصحابه".

وتتابع: "ومن أبرز الأمثلة على هذا اليقين الشيخ صلاح الذي نذر نفسه لنصرة الأقصى، فهو رجل صنديد وجبل ثابت لم ينكسر بسبب الاعتقالات والإبعاد ومحاولة قتله مرارًا، بل ظل ثابتًا صامدًا لا يحيد قيد أنملة عن قضيته المركزية".

وتؤكد أمارة الدور المركزي لأهل الداخل المحتل في الرباط بالأقصى، مع صعوبة وصول أهل الضفة الغربية إليه، قائلة: "حتى بعد حظر الاحتلال الحركة الإسلامية تسيير الحافلات استمر بمبادرات فردية وجماعية، فالوجود في الأقصى هو أهم ما يحتاج له المسجد حاليًّا".

وشبهت الوجود في الأقصى بالسد المنيع أمام محاولات تقسيمه زمانًا ومكانًا، مضيفة: "سلاحنا في وجه مخططاتهم صدورنا العارية وأيادينا المتوضئة، وكلما زاد عدد المرابطين دب الرعب في قلب الاحتلال".