فلسطين أون لاين

تقرير والدة الشهيد "محمد": "أحلم باحتضان جثمانه"

...
الشهيد محمد نضال يونس
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

منذ ثمانية أشهر تنتظر والدة الشهيد محمد يونس أن تحتضن جسده المتيبس في ثلاجات العنصرية الإسرائيلية، لتدفئه بحرارة اشتياقها منذ فقدته في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2021.

لم تنقطع أم محمد عن التفكير في طفلها محمد الذي قتل بدم بارد، مجرد فتحها لثلاجة بيتها يغص قلبها ألما، وتتخيل حالة ابنها المجمد جسده في الثلاجات، والذي يرفض الاحتلال حتى اليوم الإفراج عنه.

استشهد الفتى محمد (15 عامًا) من نابلس، بعد إطلاق جنود الاحتلال النار على حاجز جبارة جنوب مدينة طولكرم، بذريعة تنفيذه عملية دهس أدّت لإصابة جندي إسرائيليّ بجروح خطيرة.

ولا تنفك والدته عن المشاركة في حملة تطالب بالإفراج عن جثامين جميع الشهداء التي ترفض سلطات الاحتلال الإفراج عنهم حتى اليوم، وكلها أمل بأن تستعيد جثمانه.

جاء صوت أم الشهيد محمد خافتًا تخنقه العبرات التي سالت مجرد أن بدأت الحديث عن الشهيد فلذة كبدها، لتقول: "محمد كان طفلًا بريئًا جدًا، محبًا للحياة، لديه طموحات كثيرة، كان يحدثني عنها دائمًا، يريد أن يكمل تعليمه الجامعي ويعمل (...) كان يريد أن يشتري لي البيت الذي أحلم به، والحمد لله اشترى لي أحلى بيت في الجنة".

وتردف: "أتمنى أن يعيدوا لي جثمان ابني، كل أم في هذا العالم تحلم باليوم الذي يكبر فيه ابنها لتزوجه ويبني أسرة، ولكني أحلم بأن أسترد جثمان محمد لكي أدفنه في قبر أزوره وأحدثه عما في قلبي".

كان محمد فتى خلوقًا هادئًا قريبا من قلب والدته، صديقها الذي يجالسها بالساعات يحدثها عن مجريات يومه، وعن المشكلات التي تواجهه في حياته.

تتساءل والدة محمد عن الجريمة التي ارتكبها لكي يحتجز جثمانه، "فحتى اليوم لم ينشر الاحتلال الإسرائيلي دليلًا على طريقة استشهاده لكي يرتاح قلبي، لم يمتلك هوية شخصية، ولا حتى رخصة سياقة فحتى اليوم لا نعرف ماذا جرى معه؟!".

وتعبر عن عتبها على المؤسسات الفلسطينية لعدم متابعتها قضية احتجاز جثمان محمد، مؤكدة أنها ستواصل مع عائلات الشهداء المحتجزة جثمانيهم إثارة قضية استرداد جثامين أبنائهم، والذهاب بأنفسهم إلى أي مؤسسة أو مسؤول من أجل تحريك ملف أبنائهم.

ظروف الاستشهاد

وعن الظروف التي سبقت لحظات استشهاد محمد، تروي والدته: "ليلة استشهاده تفاجأ زوجي بعدم وجود محمد في البيت، ولم تكن مركبته الخاصة "جيب" موجودة أيضًا، وفي أثناء البحث عنه في شوارع نابلس، تفاجأ باتصال من أحد ضبّاط جيش الاحتلال يطلب منه العودة إلى منزله".

وتضيف: "خلال المكالمة سأل زوجي نضال الضابط عن سبب الاتصال المفاجئ له، ليخبره الضابط بوجود قوة إسرائيلية تقتحم منزله وتنتظر عودته، حينها رد عليه نضال بأنه مشغول في البحث عن محمد ومن الصعب عليه العودة فورًا للبيت، ليأتي الرد الصاعق بأن محمد محتجز لديهم".

وتلفت والدة محمد إلى أن جيش الاحتلال لم يبلغهم بنبأ استشهاد نجلها، وغلب على ظن العائلة أنه مصاب، مشيرة إلى أنها لا تعرف تفاصيل ما جرى مع ابنها إلا ما كشفته عنه وسائل إعلام إسرائيلية فقط.

ووفقًا للرواية الإسرائيلية فإن "محمد" صدم بمركبته موقعًا عسكريًا للاحتلال على حاجز جبارة بطولكرم وأصاب جنديًا بجراح خطيرة.

في حين أطلق جندي آخر النار على الشاب؛ ما أدى لإصابته بجراحٍ خطيرة نُقل في إثرها إلى مستشفى "مائير" في "كفار سابا"، وأعلن عن استشهاده لاحقًا.

ونبهت والدة محمد إلى أن جنود الاحتلال الإسرائيلي اقتحموا المنزل ليلة استشهاد نجلها وعاثوا فيه خرابًا.

وأظهر تقرير أعدته وزارة الإعلام الفلسطينية في أبريل/ نيسان الماضي، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تحتجز جثامين 105 شهداء في الثلاجات، إضافة إلى 256 شهيدًا في مقابر الأرقام، من بينهم تسعة أطفال، وثلاث شهيدات، وثمانية أسرى أمضوا فترات مختلفة في سجون الاحتلال.

في أيلول/سبتمبر 2019 أصدرت ما يسمى "المحكمة العليا" الإسرائيلية قرارًا يجيز للقائد العسكري لجيش الاحتلال، احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتا لأغراض استخدامهم مستقبلا كأوراق تفاوضية.

وأقر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس في كانون الأول/ ديسمبر 2021، سياسة عدم تسليم جثامين منفذي العمليات بغض النظر عن نتائج العملية أو عن الانتماء الفصائلي للشهيد، ليسارع أعضاء في الكنيست بالدفع لتشريع قانون يخول شرطة الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء، خاصة أنه لا أساس قانوني إسرائيلي يعطي تلك الصلاحية.