نرى من خلال الصورة التي تسرَبت من معمعان المعركة الدائرة بين خليل عواودة ودولة الاحتلال الصورة الحقيقية لهذا المحتل، ونرى كم كان العقل العربي مغشوشا ومغبونا وهو ينظر إلى هذا الكيان على أنه قوي ويمتلك من القوة والجبروت ما يرهب هذا العقل ويدفعه كي يحسب له ألف حساب. لقد تلفع هذا العقل بحجب كثيفة من الجبن والخور والعجز والكسل وهو يرسم في مخيلته صورة عظيمة لهذا الكيان، وإذا بظهور هذا الهيكل العظمي الذي قارع الاحتلال قرابة المائة وسبعين يومًا يكشف الاحتلال هيكلا عظميًا شاخصا للعيان، عراه من كل الألبسة المزيفة التي يدعيها لنفسه، عراه من كل القيم الإنسانية وحقوق الإنسان والديمقراطية والليبرالية والانفتاح وكل ما ادعاه لنفسه وبنى صورته في أذهان العالمين، ثم كشف عن بنيانه الداخلي وما يكن صدره من أحقاد وشر مستطير فإذا به هيكل عظمي لا يقل سوءا عن صورة الهيكل العظمي لعواودة، والفرق هو بين ذاك الذي أقام هيكله على الباطل، وهذا الذي يصل إلى أعلى درجات التضحية بأجزاء جسمه وهو على الحق ومن أجل الحق.
لقد أدخل عواودة الاحتلال جهاز تصوير الأشعة وبين للناس أجمعين الهيكل العظمي للاحتلال، أظهره على حقيقته هشا ضعيفا خاويا، فإذا كانت الأمم بأخلاقها وقيمها الإنسانية تتماسك وترفع قوامها وتطيل من عمرها وزمانها فإنها إذا خلت من هذه أو ضعفت فيها فإنها ستصبح أوهن من بيت العنكبوت، ستصبح هيكلا عظميا مجردا من كل ما يكسوه من لحم وعضل وقوام متماسك قوي، وإننا إذ ننظر إلى الهيكل العظمي لخليل فإنه بذلك مكننا من رؤية هيكل الاحتلال الخاوي على عروشه والمجرد من كل القيم الإنسانية.
لقد مكننا عواودة من رؤية هذا الاحتلال على حقيقته "تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى"، شتى في ثقافتهم التي جاءت من كل صوب وحدب لتشكل خليطا مشوها لا طعم له ولا لون، يحاول جاهدا جمع شتات ثقافة ليصنع منها نسيجا له شكل، ولكنه يفشل مرارا وهو يسقط في عمق اللحظة الإنسانية المجردة عندما يقف أمام المرآة فيرى نفسه ومن خلف الصورة يرى عواودة له بالمرصاد، لقد مكننا عواودة من رؤية الاحتلال لا خير فيه البتة، كتلة من الشر والحقد والعداء لكل القيم الإنسانية الحرة، رأينا الاحتلال من أعماقه هيكلا بشعا ومكونا من كل مكونات الشر والحقد والكراهية للبشرية جمعاء.
وفي ذات الوقت أيضا فكما أرانا الهيكل العظمي للاحتلال فإنه أرانا أيضا الهيكل العظمي للمحيط العربي الذي وصلت حكوماته إلى درجة التطبيع مع هذا الهيكل البغيض، كيف تعانق الاحتلال وهو يظهر بصورته الحقيقة، لولا أنها أيضا وصلت إلى حالة الخواء الداخلي ولولا أنها تجانست من أعماقها وأصبحت هيكلا خاويا لما التقت مع هذا الهيكل التعيس.
شكرا لك خليل وحفظك الله من كل مكروه فقد تكلم هيكلك كثيرًا ووصلت رسائله بأبلغ طريقة وأفصح لسان.