لم يتوقف قادة المستوطنة المقامة على الأرض الوطنية الفلسطينية عن تهديداتهم شمالاً وجنوباً، وقد كان تركيزهم الأكثر حدة موجهًا نحو جبهة الشمال بامتداداتها نحو سوريا وإيران والعراق.
وقد كان لافتاً أن انبرى عديد من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين في رفع وتيرة هذه التصريحات النارية مع اقتراب موعد استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش في المياه الإقليمية اللبنانية رغم تواصل المفاوضات غير المباشرة بين بيروت و(تل أبيب) في حضور الأمم المتحدة والموفد الأمريكي آموس هوكشتاين إلى جانب عامل هام آخر في المشهد وهو المفاوضات الماراثونية بين طهران والدول الأوروبية وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً والخاصة بالملف النووي الإيراني، تلك المفاوضات التي تمتد لعام ونصف بعد أن انسحب ترامب من الاتفاق في أيار/مايو 2018 وما يشاع عن قرب التوصل إلى اتفاق جديد، وهو ما يستثير حتى الهذيان كيان العدو الذي يردد في هذه الآونة أن المسوّدة التي سُرِبت للاتفاق هي أفضل بكثير لطهران من الاتفاق النووي السابق الذي وُقّعَ عام 2015، وأنه سيسمح لطهران بإنتاج قنبلة نووية تشكل خطراً إستراتيجياً وجودياً وكارثة على (تل أبيب)، كما صرح ديفيد برنياع رئيس الموساد.
وقال وزير الجيش الصهيوني في زيارته لواشنطن إنه التقى الجمعة الماضية في البيت الأبيض بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وأنهما ناقشا الاتفاق النووي مع إيران، إلى جانب ضرورة تعزيز التعاون الأمني بين (تل أبيب) وواشنطن والتشديد على تقوية وتعزيز القدرات العملياتية الهجومية والدفاعية ضد مخططات إيران النووية ونفوذها "العدواني" في المنطقة.
أما رئيس وزراء العدو يائير لابيد فقد أعلن في مؤتمر صحفي بقوله: "كيف يمكن لنا أن نقبل اتفاقاً يُعطي إيران جائزة تزيد على 100 مليار دولار سنوياً كمكافأة على قيامهم بخرق جميع التزاماتهم".
ويدّعي مسؤول أمني صهيوني وُصِفَ بالرفيع أن غانتس تلقى تلميحات جيدة بشأن "الحاجة إلى وضع خيار عسكري أمريكي موثوق ضد إيران"، وفق ما قالته قناة كان الصهيونية.
ويضيف المصدر الصهيوني: "الأمريكيون يفهمون جيداً أن مثل هذا الخيار له تأثير هائل، وسيخلق رادعاً كبيراً للإيرانيين، وسيجعلهم أكثر مرونة في أثناء المفاوضات".
وبحسَبَ ماَ بثته القناة 12 العبرية فإن وزير جيش العدو غانتس أوضح لسوليفان أن (تل أبيب) تحتفظ لنفسها بحرية العمل العسكري ضد إيران.
غانتس لا يتوقف عند تهديد إيران فقط، بل وَيَزيد بأن كيانه يُعَزز تعاونه مع الجيش الأمريكي وعدد من دول المنطقة لضرب المنظمات التي تدور في فلك إيران –كما يدعي– ولضمان عدم حصول طهران على أسلحة نووية.
وعلى مدار الشهرين الماضيين أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال عدد من خُطَبِهِ في مناسبات مختلفة أن حزب الله سيذهب إلى تصعيد عسكري إذا تجرأ العدو على بدء استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش، في الوقت الذي تؤكد فيه (تل أبيب) أن الحقل سيبدأ العمل في شهر أيلول/ سبتمبر، وأنها مستعدة لسيناريو القتال لعدة أيام بل وإلى حملة عسكرية.
كما أن جيش العدو يقوم بتصعيد عسكري غير مسبوق على سوريا وطائراته تتابع طلعاتها وتهاجم العديد من المواقع العسكرية على طول الأرض السورية وعرضها وتحت دعاوى أنها تتصدى للوجود الإيراني في سوريا.
تدحرج كرة اللهب يشي بأن ما هو قادم خطير وقد تنقلب الطاولة بكل ما يعنيه الأمر إذا توسعت ميادين القتال لتشمل أكثر من ساحة خاصة وأن العدو يريد استثمار ذلك إلى أقصاه، وهو الذي يعمل بكل ما أوتي على جبهة التفاوض الجاري بين الدول الغربية وإيران بصدد الملف النووي وطبيعة الاتفاق الذي تسعى (تل أبيب) لتعطيل التوصل إليه من جهة، وعلى فرض خططها ونواياها العدوانية بالسطو على مقدرات لبنان النفطية في حقل كاريش، الذي تدّعي أنه يقع في حدودها الاحتلالية للمياه الاقليمية الفلسطينية.
ويسعى قادة العدو إلى توظيف ذلك في صراعاتهم الداخلية خاصة وأنهم ذاهبون إلى الانتخابات البرلمانية مطلع شهر تشرين الثاني القادم.
فهل سيقود ذلك إلى تفاقم الأوضاع على جبهات القتال، أم أن الأطراف ستصل إلى حلول وسط، أو أن الأمور ستذهب إلى تأجيل هذا الملف الشائك إلى ما بعد الانتخابات اللبنانية و (الإسرائيلية)؟
لا شك أن الأطراف المولجة فيما يجري تنخرط الآن في حرب نفسية لتحسين شروطها التفاوضية، وكذلك مصالح واشنطن تفترض حلاً وسطاً خاصة أن الموفد الأمريكي هوكشتاين قادم للبحث عن بديل للغاز الروسي نتاجاً للآثار الكارثية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصادات الأمريكية والغربية، وهو عامل هام تحركت بسببه واشنطن في ملف ترسيم الحدود البحرية بين بيروت و(تل أبيب).
وواضح أن "الكباش" القادم تمتد أبعاده ليس فقط على الشرق الأوسط برمته وإنما إلى ما هو أبعد، إنه يعني أيضاً مجموعة الـ 6 والملف النووي الإيراني وارتداداته على روسيا والصين والقارة العجوز أوروبا.
تطورات تعني شعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة التي تتابع من كثب كل ما يجري، وهي التي تقوم بتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى لمواجهة كل الاحتمالات مع أطراف محور المقاومة حتى تكون النتائج إضافة نوعية على طريق إفشال مخططات (تل أبيب) ورفع كلفة الاحتلال كما فعلت في كل المعارك المجيدة التي شكلت علامات فارقة لصالحها وفي كل المحطات الفاصلة القادمة حتى دحره مرة وإلى الأبد.