المشابهة بين الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وما يشاع عن الجرائم النازية، فيه ظلم للشعب الفلسطيني، لأن الجرائم النازية قد انتهت قبل ثمانين عاماً، في حين الجرائم الإسرائيلية لما تزل تمارس ضد الفلسطينيين، وفي الوقت الذي طارد اليهود من اقترف بحقهم الجرائم، وعاقبوه بقسوة، لما يزل الفلسطينيون يتلمسون طريق محكمة الجنايات الدولية لملاحقة الإسرائيليين الذين اقترفوا بحقهم الطرد والإبادة الجماعية، وفي الوقت الذي استرجع اليهود ممتلكاتهم وأرضهم ومصادر رزقهم في ألمانيا، لما يزل ملايين الفلسطينيين المطرودين من مئات المدن والقرى الفلسطينية، لم يسترجعوا أرضهم، ولم يعودوا لوطنهم، وفي الوقت الذي عوضت الحكومات الألمانية اليهود، وعلى مدار 80 سنة، لم يعوض الفلسطينيون عن المذابح التي تعرضوا لها لا مادياً ولا معنوياً، بل ما زال الفلسطينيون يذبحون بالسكين الإسرائيلية على مدار الساعة، حتى تجاوز عدد من ذُبحوا هذه السنة 134 شهيداً، دون أن يتحمل القاتل أي مسؤولية، ودون أن يتعرض الإسرائيليون لأي عقاب دولي أو حتى عربي.
إنها المشابهة الظالمة بين قتيل فلسطيني لما تزل السكين تحز على عنقه، وقتيل يهودي، نهض من تحت الركام، وفي يده سكين الانتقام، فراح يطعن بالفلسطيني الذبيح، وعلى الرغم من هذا الظلم في المشابهة، فإنها أغضبت قادة (إسرائيل)؛ الذين رفضوا مجرد المقارنة بين ذبيحين، من منطلق امتلاكهم حق المظلومية، ولا حق للشعب الفلسطيني أن يشكو الظلم والقهر الإسرائيليين، ومن منطلق أنهم من يستحقون تعاطف الشعوب، ولا حق لغيرهم في البكاء على أحوالهم، فالشراكة مع اليهود في المظلومية ممنوعة منعاً باتاً، لأن المظلومية ملك خالص لليهود، وعبر التاريخ، وهذه المظلومية مكنتهم من الانتقام، وحفرت لهم بئر الدموع الذي يضخ لهم ماء المساعدات على مستوى العالم، ويضخ لهم التعاطف الدولي المرتبط بالدعم السياسي.
وعلى الرغم من اعتذار محمود عباس عن تصريحاته في ألمانيا، فقد أشارت استطلاعات الرأي الفلسطينية إلى ارتفاع نسبة المؤيدين لمحمود عباس، وفي هذا دليل على وعي الشعب الفلسطيني وشجاعته، وعشقه للمواجهات والتصعيد، وفي استطلاع الرأي هذا تأكيد أن الشعب الفلسطيني موحد في تحدي أعدائه، ولا ينقصه إلا قرار القيادة ليخرج بمواجهات جريئة وصريحة ضد الاحتلال، والشعب قادر على الإخلال بحالة الأمن والاستقرار التي يعيشها المستوطنون، وقد دلت تجربة الانتفاضات الفلسطينية على أن الشعوب العربية لا تقف مكتوفة الأيدي في حالة تحرك الشعب الفلسطيني، ليجد العدو الإسرائيلي نفسه في ورطة المواجهات، وعدم القدرة على تبرير العدوان أمام الأنظمة العربية المطبعة، ولكن محمود عباس سارع إلى الاعتذار، ليصب الماء على الجمر، ويطفئ حريقاً كان سيشتعل في أسس الأمن والاستقرار الذي تعيشه دولة الإرهاب.