اثنان وعشرون عامًا من الغربة لم تستطع أن تُنسي الطبيب نداء سكيك وزوجته الممرضة رغدة حاجة وطنهما، فأصبحا يزوران مسقط رأسيْهما بغزة في كل إجازة صيفية ومعهما الأجهزة الطبية والأدوية اللازمة ليُجريا عمليات جراحية مجانية للمرضى.
وسيلة الفن
وإضافة إلى ذلك فإن رغدة لولو تستثمر كل مناسبة في مكان إقامتها بالولايات المتحدة الأمريكية لأجل الحديث عن قضيتها بلسانها وريشتها، وقد سنحت لها الفرصة مؤخرًا للمشاركة في مهرجان شارع مينيابوليس الفني 2022، فرسمت صورة لإحدى ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
فبعد أن أنهت رغدة دراسة الثانوية العامة، انتقلت مع زوجها للعيش في تركيا، "خلال فترة وجودي هناك حاولت الالتحاق بكلية الفنون لتحقيق حلم حياتي، ولكني لم أوفق في ذلك فقد كانت الدولة التركية حينها تحرم المحجبات من الدراسة في أي جامعة حكومية".
فمنذ صغرها اكتشفت رغدة موهبتها في رسم اللوحات والمجلات المدرسية، وكانت رسوماتها حاضرة دائمًا في معارض المدارس التي درست بها منذ الابتدائية وحتى الثانوية، "وكان الداعم الأساسي لموهبتي والدي الذي كان يزودني دائمًا بدفاتر الرسم، واللوحات المتنوعة، والألوان بأنواعها حتى الزيتية وحتى أحتفظ بها منذ 34 عامًا مضت".
وبعد عشرة أعوام من انتقالها إلى الولايات المتحدة رُزقت بثلاثة أبناء، قررت حينها العودة إلى مقاعد الدراسة، وسنحت لها الفرصة لدراسة الفنون، لكن بُعد الجامعة عن بيتها وعدم قدرتها على ترك أبنائها وحدهم لفترة طويلة، جعلها تختار تخصص التمريض الذي تفوقت فيه.
وبعد تخرج رغدة مارست مهنة التمريض، وبعد فترة قصيرة بدأت تشعر بآلام في ظهرها خضعت في إثرها لأدوية وعلاج طبيعي لتتوقف عن العمل، في مرحلة التعافي عادت إلى الرسم وخاضت تجربة الرسم بالفرشاة لأول مرة.
ثمّ تعَلمّت الرسم باستخدام ألوان الأكريليك البدائية، وأصبحت تستخدم الخط العربي في بعض لوحاتها، لتتلقى دعوة من أحد أصدقائها على "الفيسبوك" للمشاركة في معرض للمسلمين والفن الإسلامي.
تقول: "وقفت كثيرًا عند دعوته، وكنت سأرفضها لكوني غير متأكدة إذا ما كانت لوحاتي بالجودة المثالية لتكون في معرض رسم، وبعد تفكير مطول قررت خوض التجربة بالمشاركة بـ5 لوحات بالخط العربي، لأتفاجأ في اليوم الثاني من المعرض باتصال أحد القائمين عليه ليخبرني بفوزي بالجائزة الأولى".
كان ذلك حافزًا لرغدة لتطوير ذاتها ومتابعة بعض الفنانين والحصول على دروس عبر الانترنت لأجل التعلم وخوض تجارب جديدة بالألوان الزيتية.
القضية الفلسطينية
لطالما كانت القضية الفلسطينية حاضرة وجزءًا لا يتجزأ من هويتها بوصفها فنانة مسلمة في أمريكا، "أحرص على ارتداء الثوب الفلسطيني في المعارض التي أشارك فيها في وسيلة لجلب الانتباه لفلسطين وقضيتها، وأحلم بعمل معرض خاص عن فلسطين وغزة على وجه التحديد".
أما بالنسبة لمشاركة رغدة في مهرجان شارع مينيابوليس الفني 2022 في ولاية مينيسوتا، فتبين أن عيونها قد جافاها النوم طيلة أيام العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وبعد انتهائها ظلّ عقلها الباطني يحمل صورًا مؤلمة لسيدة فلسطينية تصرخ وتضع يديها على وجنتيها بعدما فقدت أحد أفراد عائلتها.
وتبين أنه كان أمامها 16 ساعة فقط لرسم ملامح وجه السيدة الحزين، فرسمت علم فلسطين على رأسها، ومن خلفها ألسنة النيران المشتعلة، وأطلقت على اللوحة اسم "الوجه الآخر للقصة"، مشيرة إلى أنه رغم أن اللوحة لم تكن بحاجة إلى شرح وتوضيح، إلا أن هناك الكثيرين في أمريكا لا يعرفون ما يدور في غزة وفلسطين، وأخذوا يسألونها عن مناسبة اللوحة، وعن العلم لأي دولة يتبع، فاتخذتها فرصة للحديث عن غزة وقضاياها، وتبيان ما تخفيه عنهم الوسائل الإعلامية الأمريكية".
التطوع
ويشغل العمل التطوعي جزءًا مهمًا من حياة رغدة وزوجها، فكانت من أوائل المدرسين المتطوعين في تعليم اللغة العربية والخط العربي، بالإضافة إلى الدراسات الإسلامية والقرآن الكريم في كل الولايات التي سكنتها سواء في المراكز الإسلامية أو المساجد.
وهما يسعيان ليكونا قدوة لأبنائهم، وغرس حب العمل التطوعي في نفوسهم بغض النظر عن انشغالاتهم اليومية والتزاماتهم الحياتية.
وفي الوقت الذي أحزنها هجرها لمهنة التمريض لما فيها من خدمة للمجتمع عرض عليها زوجها المتخصص بالأوردة والشرايين مشاركته في حملة طبية لعلاج أهل غزة في زياراتهم الصيفية، بعدما سعى جاهدًا للحصول على أجهزة القسطرة، وكانت رحلتهم التطوعية الأولى لغزة عام 2017م.
ويبين زوجها نداء أنه بصعوبة بالغة استطاع إدخال الأجهزة والأدوات الطبية إلى القطاع، فأجرى عشرين عملية جراحية، وقدم العلاج لعشرات المرضى عن طريق الحقن بالأوردة، فبدلًا من قضاء وقت الزيارة بين ذويهم، يستثمرون كل دقيقة في متابعة المرضى بشكل يومي.