فلسطين أون لاين

تقرير كخلايا نحل.. 500 حافظ وحافظة يسردون القرآن على جلسة واحدة

...
مشهد من تسميع الحافظين وسردهم للقرآن الكريم في غزة
غزة/ ضحى حبيب:

في مشهد مهيب لامس قلوب الفلسطينيين، اجتمع 500 حافظ وحافظة لكتاب الله عز وجل، كخلايا نحل، من بعد صلاة فجر الثالث والعشرين من أغسطس/ آب يسردون آيات وقرت في صدورهم على جلسة واحدة.

خفتت كل الأصوات، فلا صوت يعلو على ترتيل "صفوة الحفاظ"، المشروع الذي أتى تتويجًا لجهود سنوات عكفت فيها دار القرآن الكريم والسنة على تخريج جيل قرآني متمكن حفظًا وتلاوة وفهمًا.

بدت المساجد كأنها روضة من رياض الجنة لا مسجدًا في هذه الدنيا، مشهد عظيم تكسوه الهيبة والجلال، تشعر بقلبك يحلق بين مزامير قرآنية انتشرت في زوايا وساحات المساجد، تملأ أصوات المرتلين المكان حياة من نوع آخر.. مكان أشرقت فيه شموس قرآنية يُحيي دفؤها قلوبًا تجمدت بغياب الوحي القرآني عنها. 

هناك ترى رجالًا شبابًا وشيوخًا تركوا كل مشاغل الدنيا ليعيشوا يومًا من أيام الله، يسردون القرآن في جلسة واحدة بعد ليالٍ عُمّرت بالآيات والذكر الحكيم، وتلاوة شهدتها ملائكة الرحمن. 

وترى فتيات وأمهات ونساء، جئن من بيوتٍ أثاثها سورة آل عمران والنور والنساء ووصايا النبي لهنّ في الأحزاب.

شاب في مقتبل العمر يجلس بين يدي شيخه يتابع في السرد، ومسنٌّ خطَّ الشيب نورًا أبيضًا في رأسه يستذكر آيات أمضى أيامًا وشهورًا في مراجعتها وتثبيتها، وآخر يضم مصحفه إلى صدره ويسير بخطوات هادئة بين الحلقات يراجع ويكرر ويُسمِّع. 

في إحدى الزوايا أم تحتضن طفلتها التي وضعتها قبل 25 يومًا فقط، ترضعها تارة وتُهدّئها أخرى وتتابع سرد محفوظها للمرة الثانية بعد أن سردته قبل شهر في أيام حملها الأخيرة.

تقول والخشوع يكسو ملامحها: "وجدت بركة حفظ القرآن في كل تفاصيل حياتي"، وتدعو الله أن يُثبّته في قلبها إلى يوم تلقاه سبحانه. 

وفي صحن المسجد تجلس مسنة فقدت بصرها ولم تفقد بصيرتها التي قادتها لتحفظ القرآن بعد تقدمها في العمر، وتسيل الدموع فرحًا وامتنانًا على وجنتيها وهي تروي رحلتها في الحفظ، وتُعدّد المصاعب والعقبات التي واجهتها قبل أن تصل إلى هذا اليوم. 

تقول إحدى الحافظات: "هذا اصطفاء واجتباء من الله تعالى، اليوم يمنُّ الله علينا بتحقيق ما حلمنا به منذ سنوات وما سهرنا من أجله ليالي طويلة".

لو أخذتَ جولة بين الحلقات تخال أنك في زمن الصحابة يجلسون يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، تغمر السكينة والطمأنينة قلبك، ويتجلى أمامك مشهد قال عنه النبي ﷺ: "ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". 

وفي مشهد آخر، ترى شخصيات من كل فئات المجتمع الغزي، يتنقلون بين الحلقات، يستمعون إلى هذا الحافظ تارة ثم ما تلبث أن تتشنف آذانهم لقارئ آخر، بين هذا وذلك لا تكفّ ألسنتهم عن الدعاء لهم بالثبات ولسان حالهم يقول: "يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا".

ويؤكد المدير العام لدار القرآن الكريم والسنة بلال عماد: "هذا المشروع جاء عملًا بوصية الرسول ﷺ، تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده إنه أشد تفلُّتًا من الإبل في عقلها".  

ضوابط التلاوة وأهداف المشروع

ويضيف إنّ الخمسمائة حافظ وحافظة المنتسبين للمشروع، أصغرهم 9 سنوات، وأكبرهم 60 عامًا، وبين جنباته كلّ الأعمار، "ووضعنا ضوابط لتسميعه على جلسة واحدة أهمها: حسن الأداء، والتمكين، والتلاوة والتجويد وقراءة كلّ جزء في ثلث ساعة".

وبدأ الحفظة في تلاوة القرآن من بعد صلاة الفجر، وانتهى قبيل أذان المغرب عند الساعة السادسة مساءً. 

وإذ يشير عماد لـ"فلسطين" إلى احتضان غزة لأكثر من 50 ألف حافظ وحافظة لكتاب الله عز وجل، يُبيّن أنّ دار القرآن الكريم تُخرّج سنويًّا 1000 حافظ وحافظة، يضاف إليهم 500 حافظ وحافظة تُخرجهم مؤسسات قرآنية أخرى. 

وعن كيفية وصول الحافظ إلى الحفظ المتين، يوضح أنّ الحافظ ينتقل بعد أن يحفظ المصحف للمرة الأولى إلى منتدى الحُفّاظ لتثبيت حفظهم ختمة تلو الأخرى حتى يصلوا إلى درجة عالية من الإتقان.

ويتابع: "بعد ذلك يمكن للحافظ أن يُسمّع القرآن كاملًا أمام شيخه على جلسة واحدة، ومن هنا نشأت فكرة صفوة الحفاظ التي تُعنى بالطلبة النجباء، الذين آتاهم الله القرآن وحفظوه بمتانة".

ويصف عماد مشروع صفوة الحفاظ، بأنه إستراتيجي، جاء عملًا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده إنه أشدُّ تفلُّتًا من الإبل في عقلها". 

يؤكد المدير العام لدار القرآن الكريم والسنة أنّ مشروع الحفاظ يهدف كذلك إلى "التأثير في غير الحافظين، وتحفيز غير المثبّتين لتعاهده، وتقديم تجربة فريدة للعالم بأسره عن آلية جديدة لتثبيت القرآن وتعاهده".