فلسطين أون لاين

تقرير غياب دعم السلطة للقدس.. قصور مكّن استفراد الاحتلال بمؤسساتها التعليمية

...
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

بمقاربة الدعم المالي الذي يرصده الاحتلال الإسرائيلي لـ"أسرلة" العملية التعليمية في القدس المحتلة مقابل مبالغ زهيدة تدفعها السلطة لحماية المنهاج الفلسطيني، تظهر فجوة كبيرة بين سعيه لاختراق عقول ووعي الطلاب الفلسطينيين، وقصور السلطة الكبير في حماية المنهاج، ما مكن الاحتلال من الاستفراد بالمؤسسات التعليمية الخاصة ووضعها أمام سياسة "المال المشروط" ومقايضتها بين استمرار التمويل وتغيير المنهاج.

في إطار سياسة انتهاك حقّ التعليم في القدس أصدرت وزارة المعارف بحكومة الاحتلال في 28 يوليو/ تموز الماضي قرارًا يقضي بسحب تراخيص 6 مدارس فلسطينية في القدس بزعم التحريض ضده.

سطوة إسرائيلية

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات فإنّ بلدية الاحتلال وحكومته لديهما خطة خماسية للأعوام بين (2018- 2023) بقيمة مالية بلغت ملياري شيقل لإدماج المقدسيين في المجتمع الإسرائيلي، من ضمنها 875 مليون شيقل لتهويد العملية التعليمية بمدينة القدس بالكامل، علمًا أنهما تسيطران على 50.5% من مجموع المدارس بالمدينة.

ويقارب عبيدات في حديثه لصحيفة "فلسطين" بين المبالغ التي يرصدها الاحتلال لـ"أسرلة" التعليم، ودعم السلطة للمنهاج الفلسطيني، مشيرًا إلى أنّ الأخيرة لا تضخ أكثر من 10 ملايين شيقل سنويًّا. ولفت إلى أنه كان لديها مدارس تضم 13% من مجموع طلبة مدينة القدس، إلا أنّ النسبة انخفضت إلى 8.5– 9%، معتبرًا ذلك مؤشرًا مقلقًا حول دور السلطة في عدم تقديم دعم جدي، سواء على صعيد تخصيص موازنة مالية، أو على صعيد دعم المنهاج، وعدم بناء مدارس جديدة.

تراجع السلطة في ذلك، وفق عبيدات، جعل جزءًا من مدارس السلطة في القدس طاردة للمعلم والطالب، إذ لا يزيد راتب المعلم على 4– 5 آلاف شيقل، في حين يتقاضى في مدارس بلدية الاحتلال 8- 10 آلاف شيقل، فضلًا عن أنّ مدارس السلطة تخلو من البنية التحتية ولا توفر بيئة تعليمية مناسبة.

وبيّن أنّ مدرسة "دار الأيتام" جنوب غرب سلوان كانت تستوعب 500 طالب، لكنّ عدد الطلاب لم يزد العام الماضي على 70 طالبًا، كما انخفض عدد الطلاب بمدرسة "دار الأيتام" في البلدة القديمة من 1200 إلى 120 طالبًا حاليًّا.

وفي عام 2011 حاول الاحتلال تطبيق ما يُعرف بـ"المنهاج الفلسطيني المُحرّف" عبر حذف وشطب فقرات ونصوص في مواد التربية الإسلامية، والتربية الوطنية، والتاريخ، واللغة العربية، وكل ما له علاقة بالجانب الوطني والجهادي والشهداء أو حماية الأرض.

وإزاء ذلك فإنّ غياب دور السلطة عن دعم العملية التعليمية بشكل حقيقي، أدخل المدارس الخاصة في وحل ما يعرف بـ"المال المشروط"، ومَنح الاحتلال فرصة التدخل بالمنهاج الفلسطيني وبدء تطبيقه المنهاج الإسرائيلي في خمس مدارس فلسطينية، ثم التدرج بزيادة المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي من خلال مقايضة المدارس بين التمويل والمنهاج، وفق عبيدات.

وبين أن عدد المدارس الخاصة في القدس يبلغ 72 مدرسة، و51 مدرسة تابعة للسلطة داخل وخارج جدار الفصل العنصري، و6 مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، و23 مدرسة تعرف باسم "مدارس مقاولات" تتبع دائرة التعليم الإسرائيلية ويقوم الاحتلال بتمويلها ومنح إداراتها استقلالية في إدارتها.

واتهم عبيدات السلطة بالقصور في حماية المنهاج الفلسطيني والعملية التعليمية لتُعبر عن الرواية الفلسطينية وتمنع سطوة الاحتلال واختراقه لوعي الطلاب وكي وعيهم، مشددًا على وجوب تقديمها دعما جديا للعملية التعليمية وليس مجرد شعارات لا رصيد لها.

ضوء أخضر

ويقول الباحث في شؤون القدس د. جمال عمرو: إن هناك خطأً كبيرًا حصل من السلطة التي وضعت بيديها الأغلال حول عنقها بترك القدس لمفاوضات الحل النهائي بكل مكوناتها؛ نظام التعليم، والصحة، والشؤون الاجتماعية، والتراخيص، والبناء، معتبرًا قبول السلطة بذلك منح الاحتلال ضوءًا أخضرَ للانقضاض على المجتمع المقدسي "ثم تأتي لتشتكي التهويد الإسرائيلي".

وأوضح عمرو لـ"فلسطين" أن الذي حصل أن الاحتلال استغل قصور السلطة أبشع استغلال، فمن ضمن إغراءاته لمن يعتمد المنهاج الإسرائيلي ترتيب بنية المدارس إلى مبانٍ تشبه الجامعات بما تحتويه من مرافق وملاعب، مقابل مدارس السلطة القديمة ذات البنية السيئة.

وأضاف أن الاحتلال ذهب بعيدا في خطف العقل الفلسطيني بالرواتب الكبيرة للمعلمين التي تكاد تصل إلى ثلاثة أضعاف رواتبهم في المؤسسات الفلسطينية، فضلا عن دعم الأطفال الذين ينتسبون للمدارس الإسرائيلية بخطوات متتابعة وفق رؤية مدروسة بالتعلم المجاني، ومنحهم عطلا موزعة على مدار العام، وتعلم اللغة العبرية، وقبوله بمنحة دراسية تلقائية بالجامعات الإسرائيلية لاحقا.

وتساءل: "كيف يمكن للعائلات البسيطة مواجهة هذه الإغراءات؟ لا تستطيع"، معتبرا اعتماد السلطة على حس السكان الوطني المشكوك فيه لأن الحس الوطني يتلاشى مع غياب برنامج حقيقي وطني من السلطة في القدس، إذ ليس هناك أي توجيه وطني وسياسي وديني للأهالي.