فلسطين أون لاين

18 شهرًا ممنوع من الزيارة

تقرير "عبيد" تحرّر من سجون الاحتلال بلا ذاكرة وبفشل كلوي

...
المحرر أحمد عبيد في اللحظات الأولى من الإفراج عنه فاقدا للذاكرة
جنين-غزة/ مريم الشوبكي:

غادر أحمد عبيد في الـ24 من يوليو/حزيران بلدة عنزة جنوب غرب جنين، برفقة إخوته إلى معبر الظاهرية جنوب مدينة الخليل، وصلوا في الساعة 12 ظهرًا، مبتهجين بالإفراج عن شقيقهم أحمد من سجون الاحتلال الإسرائيلي، مضت ثلاث ساعات ولم يظهر أيّ أثر لمحمد.

وقف الإخوة على مدخل المعبر يسألون كل عامل يغادر منه عن أخيهم محمد، ليفاجئهم أحدهم برؤيته لشاب ملقى على الأرض في وضع نفسي صعب لا يقوى على الحركة، هرعوا إلى المكان فوجدوا محمدًا في حالة انهيار تام.

احتضن أحمد أخاه محمد وحاول التهدئة من روعه ولكنّ الأخير كان لا يقوى على الوقوف، ولم يتعرف إليهم، على الفور توجّهوا به إلى مشفى الخليل.

محمد (38 عامًا) أمضى 18 شهرًا داخل سجون الاحتلال وخرج بالحال الذي وجده أشقاؤه عليها، يتحدث أحمد عن ظروف اعتقال شقيقه، موضحًا أنّ جيش الاحتلال اقتحم في عام 2021 البيت وطالبوا بتسليم محمد تحت تهديد العائلة، "لأنه كان مطاردًا ومطلوبًا لهم".

يتابع أحمد لـ"فلسطين": "سلّم محمد نفسه وتعرض لتعذيب نفسي وجسدي في أثناء التحقيق معه في سجن الجلمة، ثم نُقل إلى سجن مجدو، ثم إلى سجن النقب"، مشددًا على أنّ شقيقه لم يعانِ مشاكل نفسية أو صحية قبل اعتقاله.

ويشير إلى أنّ محمد متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ومنذ خروجه من السجن يتلقى العلاجات في المستشفيات، إذ أظهرت التقارير الطبية أنه يعاني جفافًا وفشلًا كلويًّا نتيجة سوء التغذية خلال اعتقاله، إلا أنّ الأطباء أبلغوا العائلة أنّ هذا الفشل غير مزمن وسوف يتحسن مع تحسن الغذاء واستعادة عافيته".

ويلفت إلى أنّ شقيقه لا يزال يتلقى العلاج حتى اليوم وقد بدأت حالته الصحية بالتحسن وبدأ يتعرف إلى إخوته، وأبنائه، وعائلته.

ويطالب أحمد السلطة الفلسطينية بتوفير راتب يُمكّنه من توفير حياة كريمة لأبنائه، ويُمكّنه من تحمل مصاريف علاجه، حتى يتعافى ويعود لمزاولة عمله مرة أخرى.

"دمّروا محمدًا"

بالعودة إلى يوم الرابع والعشرين من يونيو، تقول الأم: "كنت قد علّقت على مدخل البيت الورود وارتديت الثوب الفلسطيني، وتأنّقت بناته وزوجته، وجهّزنا الحلوى بانتظار وصول محمد ابتهاجًا بتحرره، وكانت أصوات الأناشيد الوطنية تصدح في أرجاء البلدة فرحًا باستقباله، لكن حدث ما لم يكُن بالحسبان".

وتُتمّم عن ذلك اليوم: "بعدما علمنا بالحالة التي وُجد عليها محمد، عمّ الصمت المكان وتحولت الفرحة إلى حزن".

وتشير والدة محمد إلى أنها كانت ممنوعة من زيارته بسبب جائحة كورونا، ولكن قبل شهر من خروجه سمحوا لها بزيارته، "وحينما وصلت إلى السجن كل أمهات الأسرى دخلن لزيارة أبنائهنّ إلا أنا، طلبت من الجندي رؤية ابني ليصدمني بأنّ محمد يرفض مقابلتي".

وتردف: "كانوا يعلمون مدى تدهور صحته النفسية والجسدية ويخفون هذه الأمور عني، ورفضوا الإفصاح بأي معلومة عنه (...)، عاودت زيارته بعد في منتصف شهر يوليو، وما إن وصلت السجن استقبلني الجنود بنفس العبارة بأنّ ابنك محمد يرفض رؤيتك".

في حينه توسلت الأم إلى إدارة السجون بأن تسمع صوت محمد، أو أن تراه ولو دقيقة من بعيد لتطمئنّ إلى صحته، لكنّ توسلاتها لم تجدِ نفعًا، ليضطرها الجنود مرة أخرى إلى الرجوع وقلبها يشتعل نارًا على مصير ابنها.

وبعد نحو 10 أيام اتصلت إدارة السجون على عائلة محمد لاستلامه، فعاد الأمل من جديد إلى قلب أمه التي فجعت بالحالة التي رأته عليها.

وتمضي إلى القول: "تفاجأت من مظهر ابني؛ كان ضعيف البنية، ولحيته طويلة، وشعره مش (غير) مرتب، وجسده يرتجف ولا يقوى على النطق ولا حتى الحركة، كان متجهمًا ينظر إليَّ باستغراب لا يعرفني... دمروه".

وتتابع: "صدمت بمظهره وحزنت بشدة عليه، ولكن رؤيته حرًّا طليقًا خفف عني ما رأيته، فبعد تلقيه العلاج بدأت صحته في التحسن، وعرفني وبات يستذكر معي الأكلات التي يحبها ويطلب أن أصنعها له".

وعن لقاء محمد بأبنائه، تمضي الجدة بالقول: "بلهفة ركضت ديما ويوسف ومريم نحو والدهم، وفي مخيلتهم صورته التي انطبعت في ذاكرتهم قبل اعتقاله، وما إن وصلوا إلى سريره في المستشفى حتى أصبحوا يبكون واختبؤوا في حضني، خوفًا من مظهره، فبعضهم لم يعرفه".

وتختم حديثها: "على الرغم من الألم الذي يعتصر قلبي على حالة ابني، ولكن رؤيتي له سالمًا غانمًا هو الدنيا بما فيها".

وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها أسير فلسطيني من سجون الاحتلال على تلك الحالة التي وُجد عليها المحرر عبيد، إذ تذكّر حالته بقضية الأسير المحرر منصور شحاتيت الذي تحرر من سجون الاحتلال العام الماضي، ولم يتعرف إلى عائلته في البداية، إذ خرج بحالة صحية صعبة، استدعت مكوثه في المستشفى.