في مثل هذه الأيام، 20 أغسطس 1969، أحرق المسجد الأقصى المبارك من قبل المتطرف المتصهين ويدعى مايكل روهان وهو أسترالي الجنسية، وقد أتى الحريق على ما يقارب نصف مساحته وشمل محراب زكريا، ومسجد عمر، والمسجد القبلي والأربعين، ومنبر صلاح الدين وقد أحدثت النيران تصدعا في الأسقف والجدران، ولولا هبة المقدسيين بجهودهم الفردية في إخماد النيران لأتت على بقية أجزائه من شدتها.
ما أريد قوله إن جريمة إحراق الأقصى قد أسست للاحتلال فاتحة لنهج تهويدي جديد لمواصلة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات ولا سيما المسجد الأقصى بشكل منتظم تدعمه القوانين الإسرائيلية، وهو ما يشهده الآن المسجد الأقصى من اعتداءات واقتحامات يومية من قبل المتطرفين الصهاينة، فيما لا تزال العديد من المنظمات اليهودية المتطرفة على رأسها ما يسمى بجماعة "أمناء الهيكل"، التي خططت لتدمير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، على الرغم من عدم ثبوت ادعائهم عدم العثور على أي دليل على وجوده ولا أي دليل على وجود إرث يهودي أسفله، بعد سنوات طويلة من الحفر والتنقيب، بزعم البحث عن دليل لوجود المعبد، لكن الهدف من وراء ذلك إضعاف أساس المسجد الأقصى كي ينهار في أي لحظة. وهذا الأمر معد ومخطط له ما قبل قيام الكيان الصهيوني، فزعيم الحركة الصهيونية العالمية، رئيس أول مؤتمر صهيوني في بازل، ومؤلف كتاب "الدولة اليهودية"، ثيودور هرتزل، يقول في مذكراته: "إذا حصلنا في يوم من الأيام على القدس وكنت على قيد الحياة وقادرًا على فعل أي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسًا لليهود، وسأحرق الآثار القديمة لقرون".
السؤال المهم، كيف كانت ردة فعل العرب على جريمة إحراق المسجد الأقصى؟ هل أعلنوا الحرب ثأرًا للأقصى، أم اتخذوا أي إجراء عقابي بحق الاحتلال في المنظمات الدولية؟ ليس من هذا القبيل، بل إن رد فعلهم كانت ليس بمستوى الرد المتوقع على جريمة إحراق الأقصى، كما اعتقدت رئيسة وزراء الاحتلال، جولدا مائير، لقولها في حينه: "عندما حرق الأقصى لم أنَم تلك الليلة، واعتقدت أن (إسرائيل) ستسحق. لكن، عندما حل الصباح، أدركت أن العرب في سبات عميق، وأن الحرق العمد للأقصى لن يؤثر في العلاقات مع العرب.
لا شك أن إحراق المسجد الأقصى كان اختبارًا كبيرًا لردود الأفعال العربية باعتبار المسجد الأقصى مكانًا شديد القداسة بالنسبة للعرب وللمسلمين فهو أولى القبلتين ومسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. لكن كان ثمة تصور إسرائيلي أن العرب لا تزيد ردود أفعالهم على الاستنكار الصوتي، خاصة أن جريمة إحراق المسجد الأقصى جاءت بوقت قصير بعد هزيمتهم الثانية في حرب عام 1967 بما عرف بالنكسة، وهو ما قدم للاحتلال الصهيوني عنصر أمان كبير في كل الاعتداءات والاقتحامات اللاحقة على المسجد الأقصى، وحفر الأنفاق أسفله.
سلطات الاحتلال الإسرائيلية ذهبت الى أبعد من ذلك بعد سنوات قليلة لجريمة إحراق الأقصى، عندما أصدرت قانونا لضم مدينة القدس وجعلها عاصمتها الأبدية، وقد أكدت ذلك بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، باعترافه القدس عاصمة لكيان الاحتلال، فماذا كان رد فعل العرب على هذه الخطوات الأحادية من قبل الاحتلال؟ هل استرجعوا ماضيهم وأخطاءهم السابقة بتقصيرهم بحق فلسطين والمسجد الأقصى الذي أحرق واستبيح وأهين على أنظارهم ومسامعهم، ولم يحركوا ساكنًا؟ فهل يوقف العرب مسلسل الاعتداء والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، ولا تزال الحرائق في القدس مشتعلة في ظل التطبيع العربي مع الاحتلال؟ هل ينتظر العرب هدم قبلتهم الأولى وبناء الهيكل على أنقاضه، أم تهويد مدينة القدس بالكامل؟