ثلاثة وخمسون عاما مرت على حتى الآن على إحراق المسجد الأقصى. البداية كانت في ٢١ أغسطس ١٩٦٩م. الفاعل المباشر للجريمة يهودي أسترالي يدعى مايكل دينس روهن. والفاعل غير المباشر هو دولة الاحتلال الصهيوني. المجرم أعيد إلى أستراليا وتوفي هناك في عام ١٩٩٥م.
لقد تمكّنت دولة الاحتلال من إبعاد التهمة عن نفسها وعن اليهود بالزعم أن مايكل مريض نفسيًّا، ولم تثبت التقارير المحايدة مرضه. الجريمة وقعت متعمدةً. والمادة المستعملة شديد الاشتعال. بلدية القدس شاركت في الجريمة بقطع المياه عن المسجد والمنطقة. مطافئ بلدية القدس امتنعت عن المشاركة في إطفاء النيران. بلدة الخليل ورام الله هي التي قامت بالواجب. النيران أحرقت جزءًا عزيزًا وغاليًا من الواجهة القبلية للمسجد، ومنبر الفاتح صلاح الدين.
كان يوم ٢١ أغسطس ١٩٦٩م يومًا حزينًا، لا للمسجد وسكان القدس فحسب، بل لكل مسلم يحترم أولى القبلتين، وثالث المسجدين الشريفين. كان يوم حزن، ويوم غضب، ولكن لم يتمكن المسلمون من تحويل غضبهم وحزنهم لعمل مفيد، ذلك لأن قادة العرب والمسلمين لم يكونوا على مستوى المسؤولية والحدث، إذ توقفوا جميعا عند الشجب والاستنكار.
نحن العرب اليوم وعلى مسافة (٥٣) عامًا نجدد الغضب ونستذكر الجريمة، ولكن لا نفعل شيئًا، كما لم يفعل شيئًا من سبقونا. مؤسف جدًّا أن قادتنا لم يفعلوا شيئًا، وأننا على الطريق نفسه من قلة الحيلة لا نفعل شيئًا. نخوة المعتصم غائبة، وشجاعة صلاح الدين مفتقدة. الموجود هرولة تطبيع، واستثمارات مشتركة مع دولة الجريمة. ودموع الأقصى لا تجفّ، فهو منذ الحريق يبكي ما أصابه، بل يبكي غياب صلاح الدين.
الأقصى الذي احترق بنيران الحقد التي أشعلها مايكل يحترق يوميًّا باقتحامات بن غفير والمستوطنين، وبخطط التقسيم الزماني والمكاني، ولا يجد من يحميه غير نساء وأطفال القدس من المرابطين فيه، ومن يؤازرهم من أهل النخوة والقبلة من داخل فلسطين المحتلة.
لم يضحك صلاح الدين لسنوات حزنًا على المسجد، على حين يضحك قادة دولنا ويرقصون مع اليهود في باحات الأقصى، ويزعمون أنهم يعملون للأقصى عملًا حضاريًّا.
الأقصى بعد (٥٣) عاما من الحريق، هو اليوم أشد حزنا من يوم الجريمة، لأنه يحترق بلا مبالاة القادة، وضعف عزيمة الشعوب. الأقصى حزين لا لنفسه فحسب، بل لأمته المريضة. حين يكون الأقصى بعافية، تكون الأمة بعافية، والعكس صحيح، فمتى تكون عافية أمتنا؟!