"حرقوها، وهدوها" .. يقلب المقدسي يوسف محيسن يديه بدموع الحسرة يبكي بتلك الكلمات "قاعة السلام" للمناسبات بعدما هدمتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي أمام ناظريه، تشاركه زوجته وهي تربتْ على كتفه لتواسيه: "خلص، قل الحمد للمولى ربنا بعوضنا!".
قاعة "السلام للأفراح" وهي مصدر رزقٍ لخمس عائلات في قرية العيساوية شرق القدس المحتلة، تبلغ مساحتها دونم و300 متر، قبل شهرين أحرقتها شرطة الاحتلال، وحاول المقدسي محيسن ترميمها وعندما شارفت أعمال الترميم على الانتهاء وأوشكت القاعة على دق طبول الفرح من جديد، جاءت جرافات الاحتلال بشكلٍ مفاجئٍ وهدمتها.
القاعة هي متنفس الفرح الوحيد لأهالي العيساوية، تستضيف أفراحهم، ويحيون فيها مناسباتهم الوطنية وينظمون أيامًا ترفيهية للأطفال، لكن وقوعها في طريق يفصل المقدسيين عن المستوطنين جعلها هدفا لبلدية الاحتلال التي سعت منذ عشر سنوات لهدمها.
إحراق القاعة
ينبعث من صوت المقدسي محيسن القهر وهو يتحدث لصحيفة "فلسطين" مستهلاً حديثه عن يوم إحراقها والذي تزامن مع "العرض العسكري الإسرائيلي بالأعلام" الذي نظمه المستوطنون في 29 مايو/ أيار الماضي، فيقول: "حدثت مواجهات على مدخل العيساوية، فأطلق جنود الاحتلال قنبلة حارقة على شجرة بجوار القاعة، فاحترقت الشجرة، واشتعلت النيران بالقاعة".
ما يثبت له تعمُّد الاحتلال إحراق القاعة أن ابنه ذهب لإحضار سيارات الإطفاء القريبة من المكان، لكن شرطة الاحتلال منعتهم الدخول وتركت النيران تلتهم القاعة.
"عدت لترميمها بفضل المولى وحده، وأنجزنا 90% من التجهيز وشراء الأثاث، وقد كلفني ذلك 2.5 مليون شيقل، علمًا أن تكلفة إنشائها قبل عشر سنوات بلغت أربعة ملايين شيقل، لكن ذهب كل تعب العمر بلمح البصر".
قبل عشرة أيام سلمته بلدية الاحتلال أمرًا بالهدم بحجة عدم وجود ترخيص، لكن المحامي الذي أوكل له القضية استبعد أن تقدم على تنفيذ الهدم إلى أن فاجأته قوات الاحتلال بالقدوم الساعة السابعة صباح الثلاثاء الماضي ليشرعون بالهدم.
تداهم الدموع صوته "حاولت منعهم والحديث معهم، والتف الجيران وأهل العيساوية حولي، لكن شرطة الاحتلال أصرت على الهدم، وكادت أن تحدث مواجهة، لكنني منعت الاحتكاك، وطلبت من الناس عدم التدخل، خشية من استشهاد أو إصابة أي شاب، وتركتهم يهدمون القاعة".
وبينما كانت أسنان جرافات الاحتلال وبواقرها تهدم القاعة، كان يطل من نوافذ الذاكرة، على مناسبات ومراسم فرحٍ كثيرة استضافتها القاعة، يعلق بعامية: "مسحوها مسح"، متابعًا: "لم أحصل على أي مقابل مالي في المناسبات الوطنية واحتفالات التخرج، والمهرجانات واجتماعات أهل القرية، بل كنا نحصل على رسوم رمزية للأفراح، وحاليًا كل الأفراح ألغيتْ".
لم تكن عملية الترميم سهلة بعد احراقها، "أحضرنا الأثاث من الخليل، واستدنت مليون شيقل حتى نقف مرةً أخرى، وكان أهالي العيساوية ينتظرون على أحر من الجمر افتتاح أبوابها، لكن كما شاهد الجميع هدمها الاحتلال، والآن عدت لنقطة الصفر بل أكثر من ذلك".
لأجل عملية الترميم باع منزلين كان يملكهما، كون هذه القاعة يعتاش من ورائها أربعون شخصًا من عمال وأبناء وإخوة وأخوات كلهم يشتركون في هذا المشروع، وتطالبه بلدية الاحتلال بدفع 200 ألف شيقل أجرة الهدم، علمًا أن نفس البلدية فرضت عليه مخالفة بمبلغ 800 ألف شيقل، والآن "أجد نفسي مجبورًا لدفع المخالفة، وإزالة ركام القاعة".
ورغم أن محيسن لا يملك أي مال لإعادة بناء القاعة إلا أنه يصر على إعادة بنائها في حال التحم أبناء شعبه معه، وقاموا بمساندته في إعادة صوت الفرح إلى قاعة "السلام" في العيسوية.
اتجه محيسن نحو مقرات ومؤسسات السلطة في رام الله، عله يجد ما يخفف عنه صدمته هناك، لكن رجع من هناك خال الوفاض من أي دعم، يعلق بصوت يائس: "للأسف: لم تساندنِ تلك الجهات، وقالت إنها تدعم فقط البيوت المهدمة، رغم أن هذه القاعة تفتح عدة بيوت، وكلي أمل أن يساندني أبناء شعبي في إعادة بنائها، ليعلو صوت الفرح من جديد".
يفند كل مبررات الاحتلال، قائلًا: "هو لا يريدنا أن نرفع رؤوسنا، يريد إغراقنا بالمخالفات، والديون، حتى نرحل عن المدينة وينغص علينا حياتنا فأقرب قاعة أخرى تقع في بلدة العيزرية والوصول إليها يحتاج إلى قطع حواجز ولا يوجد لدينا متنفس آخر".
ويختم المقدسي محيسن: "سلمتُ أمري للمولى" قالها وهو يعقد آمالاً على الالتفاف الشعبي حوله، ومساندته في مصابه.