فلسطين أون لاين

هل من نور في نهاية النفق؟

...

د. زهرة خدرج

كاتبة وروائية فلسطينية

قال الصوت: إذا لم نتوقف عن ممارساتنا الأنانية فسنخسر كل المخلوقات الأخرى!

النباتات روح الأرض، فإذا قُطعت وجفت.. ماتت الأرض وماتت الحياة عليها.. ليغرس كل شخص كبير أم صغير شجرة.. الحياة على الأرض تتسع لجميع المخلوقات.. فلا حياة لمخلوق دون آخر..

شعرت برعدة تسري في بدني.. اعتدلت في جلستي، فإذا بي أنام مكاني في الكهف، هل كان ما رأيت وسمعت مجرد كابوس؟

لاحظت أن الحجرة لم تعد معتمة تمامًا كما كانت.. نظرت حولي، استطعت أن أرى أمجد ينام في مكانه، نهضت من مكاني ومضيت أتفقد الجدران بعناية لعلي أعثر على طريق للخروج. في أعلى جدارٍ منحني شاهدت فجوة، قلت: لا بد وأنها تلك التي سقط عبرها أمجد للداخل، ولكن كيف لنا أن نصل إليها؟ أمجد لا يقوى على المشي، فهل بإمكانه أن يجازف ويتسلق للأعلى؟ 

شاهدت أيضًا الفجوة التي نزلت عبرها إلى هذه الحجرة.. ولم يكن منطقيًا أن ألجأ إليها مرة أخرى؛ لأني أريد الخروج منها وليس الانتقال إلى الحجرة السابقة. 

جلست أبكي بيأس بصوت منخفض وأحرص على ألا أُوقظ أمجد.. تذكرت كلمات جدي:" الرجال لا يبكون"، أنا رجل يا جدي.. ولن أبكي.. مسحت دموعي ووقفت أُتابع التفتيش بعناية في الجزء الخلفي من الحجرة، لا بد أن هناك مخرجًا.. وإلا فلماذا هذه المقاعد والأسرَّة والخزائن؟ من سيستعملها إذا كانت في حجرة مغلقة من جميع الجهات؟ وحتى الفجوات في أعلى الجدار، من الذي سيتسلق إلى الأعلى كلما أراد الوصول إلى مسكنه؟ جلست على أحد المقاعد أتأمل أرضية المكان من الخلف، وفعلًا صدق حدسي.. فخلف أحد المقاعد كان ضوء خافت يتسرب من جوانب حجر كبير.. بدأ الأمل يتسرب إلى روحي.. نهضت بنشاط وأزحت الحجر، كان ثقيلًا ولكني لم أستسلم، اندفع ضوء ساطع ملأ الحجرة.. استيقظ أمجد فجأة وصرخ بفرح قائلًا: نحن قريبون من الخارج! إنه ضوء الشمس!

قلت: نعم يا صديقي.. الحمد لله.

انحنيت داخل الفجوة الأرضية أتفحصها وأختبر إمكانية المرور عبرها إلى الخارج.

انفتحت الفجوة على منطقة صخرية وعرة من الجبل، حشرت نفسي داخلها، فإذا بي في الخارج فعلًا.. عدت مرة أخرى، وساعدت أمجد على النهوض والسير.. قليل من الجهد كنَّا بعده تحت ضوء الشمس مباشرة ولكن في منطقة كثيرة الصخور التي يصعب علينا اجتيازها.

كان أمجد يائسًا، فلم يكن يتحدث إلا قليلًا.. قلت له: لا تحزن يا صديقي، سنجد طريقًا يوصلنا للقرية بإذن الله.

سمعت راعي يرعى أغنامه في منطقة قريبة.. سألت أمجد: هل سمعت الراعي أم أنها مجرد تهيؤات صوَّرها لي عقلي؟ قال أمجد: بلى سمعت.

قلت: انتظرني قليلًا في ظل هذه الصخرة سأذهب إلى الراعي لعله يستطيع تقديم المساعدة لنا.

 قال أمجد: اذهب.. ولكن لا تتأخر علي!

قلت مؤكدًا: لن أتأخر..

كان وجه أمجد شاحبًا، يظهر الألم واضحًا في ملامحه.. انطلقت باحثًا عن الراعي بحذر، رغم شعوري بالجوع والضعف. سمعت صوته في الأسفل.. كانت تفصلني عنه منطقة صخرية منحدرة.. ناديت: عمي.. عمي!

نظر الراعي ناحيتي مقتربًا وسألني: كيف ذهبت إلى هناك أيها الفتى؟

انفجرت باكيًا رغمًا عني وأنا أقول: دخلنا الكهف، ومشينا في ممرات كثيرة وسقطنا في حجرة بصعوبة خرجنا من فتحة في أرضيتها إلى الخارج، نحن هنا منذ أمس، جائعون عطشى، صديقي أمجد في الأعلى في الجهة الشرقية بين الصخور، قدمه مكسورة ولا يستطيع المشي.. هل لك أن تساعدنا في الذهاب للقرية؟ ثم أجهشت بالبكاء بصوت مرتفع.

قال الراعي بانفعال: لا تخف حبيبي.. سأساعدكم، عد لصديقك الآن.. وسأذهب لطلب النجدة.. بعد أقل من ساعة سيكون هنا من يخرجكم من هذا المكان، ابقيا مكانكما، ولن أتأخر.

شاهدته يركب حماره ويمضي بينما كلبيه يحرسان الخراف.. وفي ذات اللحظة سمعت صوتًا غريبًا مخيفًا، صوتًا يشبه صراخ طفل يتحول إلى لهاث قبل أن يعود للصراخ مرة أُخرى.