لم تتوقف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية والحفريات أسفل حائط البراق غربي المسجد الأقصى المُبارك منذ أكثر من نصف قرن، بهدف تهويده بالكامل وطمس هويته الإسلامية، لإقامة "الهيكل" المزعوم بدلًا منه.
ويسعى الاحتلال إلى ترويج روايات مضللة، وإيجاد صلة بين الآثار القديمة في المنطقة المستهدفة واليهود لإثبات وجودهم، وتزييف حضارة وتاريخ عبريين على حساب كل الحضارات العربية والإسلامية بالقدس، التي تعود للحقب الكنعانية والرومانية والإسلامية، وربطها بالرواية التلمودية والتوراتية.
والحائط هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى بالقدس، أخذ تسميته من ربط النبي (صلى الله عليه وسلم) دابته ليلة الإسراء والمعراج به، وهو جزء من سور المسجد، ويجاوره مباشرة بابه المسمى باب المغاربة.
ساحة البراق من أشهر معالم مدينة القدس، استولى عليها الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وتعمل عدة مؤسسات احتلالية حكومية وجمعيات استيطانية على تهويدها بالكامل، وتزوير هويتها الإسلامية.
ويمثل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الأقصى الشريف، ويمتد من جهة الجنوب من باب المغاربة باتجاه الشمال إلى المدرسة التنكزية التي حولها الاحتلال الإسرائيلي إلى كنيس ومقار شرطة، ويبلغ طوله نحو خمسين مترًا وارتفاعه نحو عشرين مترًا.
وعقب إكمال احتلال مدينة القدس دأبت (إسرائيل) في عام 1970 على حفر حفرية أسفل حائط البراق، تصل إلى الحائط الغربي للمسجد الأقصى، استمرت طيلة الثمانينيات وانتهت عام 1996، حسبما أفاد الباحث المؤرخ في تاريخ القدس والمسجد الأقصى إيهاب الجلاد.
وقبل 7 أشهر تقريبًا دشّن الاحتلال حفرية جديدة في المنطقة الشرقية للحائط، أي أسفل تلك الحفرية القديمة التي انتهت في التسعينيات.
ويُشير الجلاد خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى وجود حفرية في المنطقة الغربية للحائط بدأ الاحتلال العمل بها منذ عدة سنوات، من المقرر الانتهاء منها نهاية السنة الجارية.
ويعتزم الاحتلال إنشاء متحف تراثي تحت اسم "تراث الحائط الغربي" أسفل ساحة حائط البراق في المنطقة الغربية منه نهاية العام الجاري -حسب إفادة الجلاد- التي كانت تُسمى قبل احتلال القدس "حارة المغاربة".
وكانت قوات الاحتلال قد دمّرت البيوت الواقعة في حارة المغاربة وهجّرت سكانها بعد الاحتلال الكامل لمدينة القدس عام 1967، ودأبت على حفر الأنفاق والحفريات.
ويكشف الجلاد لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يواصل التجهيزات الخاصة بالمتحف التراثي أسفل الحائط، إذ يعكف على تركيب أجهزة للإنذار المبكر والحرائق، وبعض وسائل الأمان الأخرى الحديثة، "ومن المتوقع الانتهاء منه آخر هذا العام".
ويبين أن الحفريات الإسرائيلية تنشط في المرحلة الحالية في المنطقتين الجنوبية والغربية للمسجد الأقصى اللتين تقعان ضمن القصور الأموية، مشيرًا إلى أن الهدف من هذه الحفريات إيجاد تاريخ يهودي مُزيف.
وحسب قوله؛ إن الاحتلال يسعى إلى تكثيف الوجود اليهودي في تلك المنطقة، وجلب الزوار الأجانب للاستماع للمزاعم اليهودية وإقناع العالم بأن لهم علاقة بهذه البلاد منذ 2000 عام.
تجدر الإشارة إلى أنه في التاسع من مارس الماضي شرعت شركات إسرائيلية في أعمال إنشائية واسعة النطاق وعلى مساحات واسعة، لتنفيذ مشروع "مصعد البراق" التهويدي.
ويتضمن المشروع التهويدي بناء مصعدين عموديين متلاصقين، في قلب الصخر بارتفاع 26 مترًا، وأيضًا بناء نفق تحت الأرض بطول 70 مترًا، وعرض 14 مترًا.
وفي عام 2016 وافقت "لجنة التراخيص التابعة لقسم التخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال بالقدس المحتلة على إصدار ترخيص لمخطط بناء "مصعد البراق"، بين حارة الشرف بالبلدة القديمة، وساحة البراق الملاصقة للأقصى، بدعوى تسهيل حركة المستوطنين والسياح.
"عربية منذ آلاف السنين"
وتثبت الوثائق التاريخية التي بحوزة الفلسطينيين المقدسيين -حسب دراسة عن حائط البراق للباحث الفلسطيني المتوكل طه نشرت عام 2010- أن مدينة القدس مدينة عربية المنشأ منذ آلاف السنين، وإسلامية التاريخ والحضارة.
وقد ظل حائط البراق منذ الفتح الإسلامي وقفًا إسلاميًّا، وهو حق خالص للمسلمين، وليس فيه أي حجر يعود إلى عهد النبي سليمان، كما يدعي اليهود.
ويقول المقدسيون إن الممر الكائن عند الحائط ليس طريقًا عامًّا، بل أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق ومن ثم إلى الحرم الشريف، وقد كان السماح لليهود بالمرور إلى الحائط من قبيل التسامح في المرسوم الصادر عن الوالي المصري على المنطقة إبراهيم باشا عام 1840، وليس لأداء الصلوات.
ولم يتخذ اليهود حائط البراق مكانًا للعبادة إلا بعد صدور وعد بلفور البريطاني عام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءًا من "الهيكل اليهودي" المزعوم، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكن اليهود من الوقوف أمامه والبكاء عنده على خراب هيكلهم المزعوم، ثم بمرور الزمن ادعوا أن حائط البراق من بقايا هذا "الهيكل".