فلسطين أون لاين

تقرير "الحفريات" تكشف حرب جنرالات الاحتلال على زهرة المدائن

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة–غزة/ ربيع أبو نقيرة:

يشنُّ جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي حربًا تدور رحاها تحت الأرض وفوق الأرض في القدس المحتلة، لا تقلُّ شراسة عن عدوان الاحتلال العسكري على عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.

عنوان الحرب الدائرة في زهرة المدائن هو "الحفريات" حول المسجد الأقصى المبارك وأسفل منه، لتخريبه وتصديع جدرانه، وتبدو في ظاهرها محاولة للبحث عن بقايا "الهيكل المزعوم".

ويعود تاريخ الحفريات في فلسطين إلى المدة الزمنية من 1867 إلى 1870 قامت بها بعثة بريطانية في نحو عشرين موقعًا في فلسطين، بهدف البحث عن بقايا الهيكل المزعوم، خاصة في القدس وجوار المسجد الأقصى.

وفي محاولة لإيجاد دليل أو بقايا دليل على الأرض الموعودة والهيكلين الأول والثاني، حسب اعتقادات اليهود، تركَّزت أهم هذه الحفريات حول المسجد الأقصى من الجهة الغربية، والجوار القريب الجنوبي (بلدة سلوان).

ونشطت أعمال الحفريات في عهد الاحتلال البريطاني، وكذلك في العهد الأردني، لكنها تنامت بعد إكمال استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على القدس عام 1967، إذ انطلقت الحفريات الإسرائيلية، وكانت أولاها هدم حي المغاربة غربي المسجد الأقصى وحائط البراق، وتدمير آثار وعقارات عربية وإسلامية.

وفي نهاية 1967 وبداية 1968 بدأت حفريات كبيرة جنوب الأقصى وغربه وصلت إلى عمق 14 مترًا كشفت عن بقايا آثار القصور الأموية، ومنها الحجارة العملاقة.

وتواصلت الحفريات في كلّ الجهات المحيطة بالمسجد الأقصى فوق الأرض وتحتها، إلى يومنا هذا، وأخذت أشكالًا أفقية وعمودية.

الحفرية الأولى

الحفرية الأولى في عهد الاحتلال الإسرائيلي بدأت بتاريخ 11/6/1967م، وفقًا لإفادة نائب المدير العام للأوقاف الإسلامية في القدس، رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث د. ناجح بكيرات.

عاد بكيرات بالذاكرة إلى ذلك التاريخ، وكان يبلغ من العمر حينها 14 عامًا، وهو من سكان القدس: "بدأ الاحتلال بإخراج سكان حارة المغاربة من منازلهم ثم هدم الحارة بالجرافات، ثم بدأ مسلسل الحفريات في القدس، وبعد الهدم جلبوا أشخاصًا وقالوا إنهم علماء آثار".

وأضاف: "السكان لم يكن لديهم الوعي الكافي بما يجري، ولم يكن لديهم معرفة بنيّات الاحتلال ومخططاته"، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال أصدر أوامر عسكرية بمصادرة الحارة والمنطقة بأكملها.

ولفت النظر إلى أنّ تَدَخُّل الهيئة الإسلامية العليا بالقدس آنذاك منع الاحتلال من مواصلة هدم الحي الإسلامي بأكمله، لا سيّما أنّ ردة الفعل على إجراءات الاحتلال كانت قوية، بالتظاهرات والاحتجاجات.

وأوضح بكيرات أنّ الهيئة كانت مُشكّلة من المشايخ ورجال الدين من كل أرجاء فلسطين، وامتدادها اليوم على مستوى القدس الهيئة التي يترأسها الشيخ عكرمة صبري.

وفي عام 1981م فتحت محاولة الاحتلال إعادة فتح النفق الممتد من باب القطانين باتجاه الشرق نحو قبة الصخرة، الذي يعود إلى عام 1887م؛ عيون الأهالي على مخططات الاحتلال للوصول إلى أسفل المسجد الأقصى المبارك، وفقًا لحديث بكيرات.

ولفت النظر إلى أنّ الحادثة المعروفة باسم "نفق باب القطانين" و"بئر قايتباي" بتاريخ 21/8/1981م دفعت المقدسيين للاعتصام والتظاهر داخله، بعد أن كشفوا الحفريات التي وصلت إلى منطقة البئر داخل حدود الأقصى، مشيرًا إلى أنّ دائرة الأوقاف صبّت خرسانة في البئر لمنع مواصلة حفر النفق نحو قبة الصخرة.

حفريات علنية

وأوضح بكيرات أنّ الاحتلال كان يقوم بالحفريات بعيدًا عن الأنظار وخفية حتى عام 2007م، إذ أصبحت علنية، قائلًا: "الاحتلال كان يغطي على حفرياته ومخططاته بادعاء أنه يقوم بأعمال علمية وبحثية، ولكن حقيقة الأمر أنّ من يقوم بذلك هم جنرالات عسكريون بهدف مصادرة الأرض المحيطة بالمسجد والوصول إلى أساساته".

وتابع: "الاحتلال يسعى إلى خلق رواية توراتية تخدم مزاعم أحقيتهم بالمكان، لكنهم بعد عقود من الحفريات لم يعثروا على ما يدل على وجود هيكلهم المزعوم"، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال كان يحسب حساباته للاحتجاجات على مخططاته قبل عام 2007م، لا سيما أن منظمة يونسكو كانت تأخذ بالشكاوى التي ترفعها إليها الحكومة الأردنية عن انتهاكات الاحتلال بحق المقدسات.

وقال بكيرات: "مع كل اكتشاف لأيّ محاولة حفر جديدة كانت تشتعل احتجاجات الفلسطينيين واعتصاماتهم حتى عام 2010، إذ وضع الاحتلال حواجز عند باب المغاربة لمنع الأهالي من الوصول إلى المنطقة"، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال اعتقله واعتقل شيخ الأقصى رائد صلاح والعديد من أهالي القدس.

وأضاف: "الاحتجاجات تطورت إعلاميًّا وسياسيًّا، وأصبحت الأوقاف تخاطب الخارجية الأردنية، وهي بدورها تخاطب يونسكو، وذلك بعد منع الاحتلال الحراكات الشعبية من الوصول إلى أماكن الحفر".

"ومن أبرز أهداف الاحتلال من وراء الحفريات جني الأموال بفتح متاحف في مناطق الحفريات وكنس يهودية ومزارات سياحية" والكلام لبكيرات، الذي تابع: "أصبحت الحفريات عروضًا سياحية يدخلها الزوار الأجانب بعد الحصول على تذاكر مدفوعة".

ويأتي على رأس سلم أهداف الاحتلال من وراء الحفريات خلخلة أساسات المسجد الأقصى، والوصول إلى أي مساحة فارغة تحت الأقصى لتكون موطئ قدم، ومحاولة لإثبات روايات توراتية تزعم أن الذي بنى القدس وسكنها هم اليهود، في محاولة لفرض سيادة في الرواية وسيادة في التحكم، وفقًا لحديثه.

وقال بكيرات: "أيضًا تهجير السكان هو هدف أساسي للاحتلال، إلى جانب محاولات تهويد القدس وصولًا إلى جعلها عاصمة موحدة لدولتهم اليهودية المزعومة".

تدمير الجذور

ولفت النظر إلى أنّ الحفريات تحت المسجد الأقصى غير معلومة، ويمنع الاحتلال الوصول إليها أو كشفها، قائلًا: "كل ما نعرفه عن الحفريات هو ما تقدمه الرواية الإسرائيلية فقط، وما هو متاح للزوار مشاهدته، وهي روايات غير حقيقية".

"ويصل عدد الحفريات المعلومة إلى 64 حفرية، 53 منها أصدرت تقارير عنها، و11 حفرية ما تزال نشطة وتعمل حتى اللحظة، موزعة بين بوابات البلدة القديمة وبلدات القدس" والحديث لبكيرات.

وأوضح أن الحفريات بأشكالها الأفقية والرأسية صادر الاحتلال في إطارها عشرات الدونمات في القدس المحتلة، قائلًا: "صادر الاحتلال 50 دونمًا في أعمال الحفر بمنطقة القصور الأموية وحدها".

ونبه إلى أن حرب الحفريات لا يشاهدها الناس، لكن خطرها على الشعب الفلسطيني أكبر من حرب الطائرات والدبابات، لكونهم يدمرون كل الجذور الأساسية والتراكمات الحضارية الإسلامية.

وتساءل بكيرات: "أين العملات الأموية التي اكتشفت؟! أين العملة العباسية؟! والفخار العباسي والأموي والمقتنيات الأثرية التي كانت في زمن صلاح الدين، أين ذهبت؟!"، مشددًا على أن إخفاء الاحتلال الآثار هو محاولة واضحة للتزوير والتضليل والافتراء والكذب لتقديم روايات توراتية، خاصة أنهم لم يجدوا شيئًا يدل على هيكلهم المزعوم.