"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم". هذا الجزء من الآية الكريمة من سورة البقرة يلخص الموقف الهستيري الناقد لتصريح محمود عباس في دار المستشارية في برلين بألمانيا، حيث قال: "إن إسرائيل ارتكبت منذ عام ١٩٤٧م خمسين مجزرة وخمسين هولوكوست ضد الشعب الفلسطيني." وجاء قوله تملصا من سؤال صحفي يدعوه للاعتذار عن عملية ميونخ التي قتل فيها أحد عشر رياضيا إسرائيليا قبل خمسين سنة.
وهنا أود أن أستوقف القارئ للحظة عند الأسماء التي عقبت على التصريح واستنكرته لنرى حجم التحالف الشرير في العالم الذي تمكنت الصهيونية اليهودية من صناعته بعد الحرب العالمية الثانية. وأعني بصناعته أنها استغلت جريمة النازيين، والدماء التي سفكت فيما يسمى بالمحرقة، لصناعة حالة ندم وأسف عالمية على ما حدث، ومن ثم صناعة حالة تعاطف وتعويض لليهود تدوم دوام المستقبل، ولتصير المحرقة رمزا يهوديا، من ينكرها، أو يخفف منها، لعنة ومسبة عليه، يجدر ذمه وعقابه، حتى ولو كان محمود عباس مع كل تنازلاته.
استنكر أقوال عباس المستشار الألماني شولتس وقال: أشعر بالغضب الشديد من التصريحات التي لا يمكن وصفها للرئيس الفلسطيني. وشنت صحيفة بيلد هجوما على عباس. وكذا فعل سفير (إسرائيل) الجديد رون بروسور، وقال: لا يمكن بناء سلام ومصالحة بين شعبين على أساس أكاذيب، وإنكار الهولوكوست. يجب عدم التسامح مطلقا مع إنكار محمود عباس المحرقة!
واستنكرها أيضا رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي فريد ريش ميرتس، وهو حزب أنغيلا ميركل. وكذا أرمين لاشيت الرئيس السابق للحزب المسيحي، وقال إنها أسوأ هفوة داخل ديوان المستشارية. وانتقدت صحيفة دير شبيغل الألمانية تصريحات عباس، وكذا صحيفة فيلت الألمانية، التي قالت مستخفةً: من هو محمود عباس؟ وماذا يفعل داخل ديوان المستشارية؟ وانتقدت التصريحات كارين برين رئيسة الاتحاد الفيدرالي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، هذا فقط كان في ألمانيا.
أما في (إسرائيل) فقد انتقدها بشدة يائير لبيد رئيس الحكومة، ووصف كلام عباس بوصمة عار! وانتقدها نفتالي بينيت نائب لبيد، وقال: عباس ليس شريكا. وانتقدها ليبرمان وزير المالية وقال: عباس ينكر المحرقة، وهو عدو لدود لـ (إسرائيل). وقال بيني غانتس: أقوال أبو مازن حقيرة، وكاذبة وهي تشويه للتاريخ. وطالبت اييليت شاكيد غانتس بعدم استقبال عباس في منزله. هذا ونددت الإدارة الأمريكية بشدة بأقوال عباس.
كلّ هذا حصل في ساعات بُعيد كلمة عباس التي لم ينكر فيها المحرقة، وإنما اتهم (إسرائيل) بمجازر عديدة ضد الشعب الفلسطيني، فكيف لو أنكرها صراحة؟! عباس المسكين ضعيف أمام هذه الانتقادات القاسية التي رمته عن قوس واحد، وكأنه ارتكب كفرا بواحا، فتراجع خطوة، وقدم توضيحا لمقصده من التصريح الذي أدلى به في دار المستشارية. عباس لم يجد له سندا فلسطينيا، ولم يجد له سندا عربيا، ولست أدري لماذا لم يجد من يسنده ولو إعلاميا! فماذا لو قرأ عباس شطر الآية؟ لوجد فيها ما يفيده، فالتوضيح الذي أدلى به بعد الحملة الشرسة لا يفيده!