فلسطين أون لاين

تقرير أمهات الشهداء.. نماذج منقطعة النظير في الصبر والتضحية

...
صورة أرشيفية
نابلس-غزة/ نور الدين صالح:

هنَّ سيدات آمنَّ بأن الوطن هو الأم التي تقبل هدايا الفداء بالروح والدم، وغرسن داخل فلذات أكبادهن يقينا بأن الشهادة مفتاح الفخر والفرح، هكذا هن أمهات الشهداء في فلسطين اللواتي يسطّرن روايات في الصبر والتضحية.

فحين يرتقي الشهداء تتحول مراسم العزاء إلى "أعراس وطنية" تبدأه الأمهات بالزغاريد وتوزيع الحلوى عند وداع أنجالهن وليس انتهاء بالكلمات التي تصدح من حناجرهن وهي تمتزج بكل معاني القوّة والفخر، وكأنهن يوقدن شعلة في نفوس الأجيال القادمة للمُضي على الدرب ذاته فداءً لفلسطين.

ملامح الصبر والتضحية بدت واضحة على والدة المطارد الشهيد إبراهيم النابلسي وهي متوجهة إلى مستشفى رفيديا في نابلس فور تلقيها نبأ ارتقاء "فلذة كبدها" شهيدا على إثر اغتياله من قوات الاحتلال الخاصة الثلاثاء الماضي.

فمذ حطت أقدامها على عتبات المستشفى لم تذهب للبكاء على إبراهيم، بل حبست دموعها ووقفت بكل قوة وجرأة أمام جموع الجماهير المحتشدة أمام "بوابة رفيديا" وأخذت تحكي بهمة عالية "إبراهيم طخوه؟.. بالعكس في 100 إبراهيم، وكل واحد فيكم إبراهيم وكلكم أولادي".

وتروي أن إبراهيم اتصل بها وأخبرها أنه محاصر وطلب منها فقط أن تدعي له، وألا تحزن أو تبكي في حال استشهاده.

"إبراهيم عاش مرْضي ومات مرْضي، مرْضي من كل الشعب، استشهد وهو يدافع عن وطنه، ودمه دم شرفاء"، تتحدث عن مناقب نجلها وشعور العزة والكرامة ينتابها.

ولم تُخف أنها لم ترَ نجلها "إبراهيم" منذ مدة طويلة، لكن اسمه وروحه يسكنان في قلبها، وسيبقى كذلك بعد استشهاده، تُكمل "إبراهيم الحر راح عند حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وهبته لله ولرسوله وللمسجد الأقصى".

ليس ذلك فحسب، بل تقدمت والدة الشهيد الجماهير وحملت على أكتافها نعش "إبراهيم" الذي لُف جسده بعلم فلسطين، في رسالة أن دماءه سالت فداءً لفلسطين والمسجد الأقصى، وسارت حتى ووري جثمانه الثرى.

واستشهد النابلسي برفقة المقاوم إسلام صبوح بعد اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال التي حاصرت المنزل الذي كان يوجد فيه عدد من المقاومين بالبلدة القديمة في مدينة نابلس، بجانب الفتى حسين طه.

أما والدة الشهيد خليل أبو حمادة الذي ارتقى خلال مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال في مخيم جباليا شمالي القطاع السبت الماضي خلال عدوانه، فقد سطّرت نموذجاً للأم الصابرة المُحتسبة إذ فقدت ابنها الوحيد.

ورغم عُمق الجرح الذي خلّفه ارتقاء الشاب خليل (18 عاما) إلا أنها تتمالك نفسها وتحبس دموعها مُحتسبةً إياه شهيدا في الجنة، علما أنها أنجبته بعد 13 عاما من الصبر وكانت تُربيه "خطوة بخطوة" كما تقول.

تتبعثر الكلمات أمام نجوى أبو حمادة والدة خليل، ولم تجد إلا الدعاء له بأن يتقبله الله في الجنان، ثم تردد "حسبنا الله ونعم الوكيل على اليهود الذين حرموني منه".

تضيف بكلمات مُثقلة بالوجع والفقد "مستحيل حدا يسد مكان خليل. الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة".

لم يختلف الحال كثيرا لدى والدة القيادي في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الشهيد خالد منصور، التي استقبلت نبأ استشهاده بكلمات يرافقها الصبر والتضحية، وهي تردد "الحمد لله رب العالمين هو طلبها ونالها، الله صبرني، وقلت الحمد لله الذي أكرمني بشهادته".

وتُشير إلى أن "خالد" كان يطلب الشهادة منذ زمن، ويردد دوما: "أنا فداء لفلسطين وفداء للقدس"، وأخذت تُعدد مناقبه "له معزّة خاصة عندي، حنون، الله يرضى عنه، ربنا يجعل قبره روضة من روضات الجنة".

وختمت حديثها بالدعاء للمقاومة بالنصر على الاحتلال: "الله ينصرها ويقويها، ربنا قوي ويغير، ويجعل النصر لنا".

وكانت طائرات الاحتلال الحربية قد اغتالت الشهيد منصور باستهداف منطقة سكنية في مخيم الشعوث بمدينة رفح جنوبي القطاع فجر الأحد الماضي، موقعةً عددًا من الشهداء والجرحى أيضا.