كانت حجتهم جاهزة كما كل مرة عند إقدامهم على هدم أي وحدة سكنية أو محل تجاري "البناء دون ترخيص" ليس له فقط بل لكل سكان مدينة القدس المحتلة، وما هي إلا ذريعة قانونية لإتمام مخططات التهويد والتهجير.
المقدسي حازم أبو اسنينة من سكان حي أبو تايه في بلدة سلوان الواقعة في الجهة الجنوبية للبلدة القديمة، يلاحقه الاحتلال منذ عام 2016 بشبح هدم البيت وتشريده وأبنائه.
يقول لصحيفة "فلسطين": "بدأت في بناء المنزل عام 2010، واستغرق البناء مدة ثلاثة أشهر، خلال تلك الفترة لم ترسل لي المحكمة الإسرائيلية أي ورقة تثبت مخالفتي البناء أو عدم الترخيص، تركوني أبني، وبمجرد أن سكنت البيت بدؤوا في إرسال بلاغات وإخطارات بالهدم".
لم يستسلم للقرار، واستعان طيلة تلك المدة -ست سنوات- بمحامين ومهندسين وغيرهم لسحب القرار أو على الأقل تأجيله، وقُدرت المبالغ المالية التي دفعها للمحامين ورسوم محاكم بـ50 ألف شيقل، وفي النهاية تم الهدم يوم الأربعاء في الثالث من أغسطس/ آب.
ويوضح أبو اسنينة أنه في الفترة الأخيرة قبل ستة أشهر شددت بلدية الاحتلال الخناق عليهم كثيرًا، وبصعوبة يستطيع الحصول على تمديد، وقبل انتهاء المدة بيومين أو ثلاثة يتصلون عليه بأنهم سيقدمون على تنفيذ الهدم.
ويضيف: "لا أخفي أن كل تلك الفترة كنت وأبنائي نعيش في ضغط نفسي كبير، في أي لحظة سنصبح في الشارع، شقاء عمري كله يضيع، لذلك حاولت بشق الأنفس إلغاء القرار أو حتى تأجليه قدر المستطاع".
يستدرك بالقول عن الحالة التي عاشها وعائلته: "لا يوجد أمن ولا أمان ولا حتى راحة نفسية، ففي أي لحظة ممكن أن تجدهم على باب البيت ويخرجوك بالملابس التي عليك فقط".
في الثاني من الشهر الجاري اتصل به ضابط من بلدية القدس الاحتلالية، وأبلغه أن تطبيق قرار الهدم كان يفترض تنفيذه في نهاية يوليو/ تموز، "ولأنهم لم يأتوا اعتقدت أن الأمر قد انتهى بسبب تغييرات طرأت، لذلك قدمت طلبًا للمحكمة للحصول على تمديد، ومددت لي 20 يومًا"، وفق حديث أبو اسنينة.
إلا أنه في صبيحة يوم الأربعاء داهمت قوة إسرائيلية البوابة الرئيسة للبيت بطريقة وحشية، فخرج إليهم وسألهم عما يفعلونه، وماذا يريدون، "فلم يجيبوا، ودخلوا وكسروا المدخل المباشر للبيت، ولحسن الحظ أن أبنائي لم يكونوا فيه".
ويلفت إلى أنه حسب قرار المحكمة يجب تبليغ صاحب البيت الذي صدر بحقه قرار هدم قبل 10 أيام من التنفيذ لتجهيز نفسه.
ويتابع أبو اسنينة حديثه: "أسوأ ما في الأمر أنهم يصطحبون معهم عمالا إسرائيليين لإخراج بعض مقتنيات البيت، ولا يمكن لك أن تتصور مدى استفزازهم واستهتارهم، لم يُخرجوا إلا طقما موجودا في الصالون. خرجت بملابسي التي كنت أرتديها والأوراق الرسمية، وحملت في يدي لعبة ابني مصطفى فمنعني من إخراجها".
ملامح لا تفسر
علم أبناؤه الستة الأمر، فعادوا بسرعة، علهم يستطيعون لملمة ذكرياتهم، وعندما وصلوا كانت ملامحهم لا تفسر، واستفهامات كثيرة على ألسنتهم، لكن لم يكن ثمة مجال لطرحها، وبالرغم من مصابهم، هاجمهم جنود الاحتلال بوحشية وضربوهم واعتقلوا اثنين منهم، أفرج عنهما لاحقا بكفالات وغرامات مالية مقابل 5000 شيقل لكل واحد منهما، وحبس منزلي مدة خمسة أيام، وإبعاد عن القدس أسبوعين.
ويشير أبو اسنينة إلى أن عمر البناء 12 عامًا، وتكلفة البناء في القدس مرتفعة جدًا، وحتى هذا اليوم لم ينتهِ من سداد الدين، فلا يزال عليه 60 ألف شيقل.
طيلة تلك المدة لم يتعافَ هو وأبناؤه من الضغط النفسي الممارس عليهم، فلم يستطيعوا ممارسة حياتهم العادية بالشكل الطبيعي، فلو أراد أن يشتري عفشًا للبيت، أو يغرس شجرة في حديقته، يتذكر تهديدهم بالهدم الذي قد ينفذ في أي لحظة، فمشاعر القلق والخوف لم تفارقهم.
أما ابنه مصطفى (10 أعوام) فهو أكثر المتضررين نفسيًا بهدم البيت لكونه الوحيد الذي ولد فيه، وأنه كان متنفسًا له، وخاصة أنه لم يتجاوز محنة انفصال والديهما بعد.
وقد يفكر في المرحلة القادمة خوض مغامرة البناء مجددًا من باب التحدي، ويوجه رسالة لأهل القدس بالصمود بقدر استطاعتهم للحفاظ على البيت والأرض، فلا لليأس رغم صعوبة الحياة، ورسالة أخرى للدول العربية لعلهم يستيقظون بالتحرك تجاه القضايا الفلسطينية، وأخيرة للمحتل: "آخرك إلى زوال، سنبقى نحن في أرضنا، أما أنت فستدفن فيها أو ترحل عنها".