على دماء وأشلاء الأطفال والنساء يتبجح وزير حرب الاحتلال غانتس، ويعلن بكل وقاحة بأنه استعاد ما أسماه بالردع إلى جيشه، وأنه حقق أهدافه من الحرب الأخيرة التي خاضها لثلاثة أيام على قطاع غزة المحاصر من قبله لأكثر من خمسة عشر عاما متواصلة، وقد دمر العديد من المنازل، وتسبب في قطع الكهرباء والمياه ولم يسلم من قصفه الأراضي الزراعية، والكل كان مستهدفا لنيرانه وصواريخ طائراته الحربية وقذائف مدفعياته وزوارقه العسكرية التي تجوب شواطئ وحدود القطاع.
تصريحات غانتس اعتراف واضح وفاضح بالهزائم المتوالية لجيشه في عدة حروب شنها على غزة، فهزيمته في حرب "الفرقان" عام ٢٠٠٩\٢٠٠٨، وفي حرب "حجارة السجيل" في عام ٢٠١٢، وكذلك في حرب "العصف المأكول" في عام ٢٠١٤، وحرب “سيف القدس” عام ٢٠٢١، وكلما أراد شن أي عدوان كانت المقاومة له بالمرصاد تدافع عن نفسها بكل ما لديها من وسائل قتالية وتلقنه دروسا قاسية يخرج منها مذموما مدحورا يجر وراءه خيبات الهزيمة والعار لجيشه وشعبه؛ ما ينعكس سلبيا على الردع الذي كان يتفاخر به لعقود طويلة لما حققه من انتصارات على الجيوش العربية في السابق.
لكن المقاومة الفلسطينية استطاعت كسر هذه القاعدة مرة وإلى الأبد، بفرض واقع جديد ومعادلة عسكرية غير معهودة في قواعد الاشتباك مع الاحتلال وهو ما تفاجأ به العدو وأذهل قاده العسكريين والسياسيين، بأن الردع تآكل وهيبة الجندي الذي لا يقهر قد تلاشت، وأصبحت شعارات غير قائمة ولا وجود لها في قاموس المقاومة التي نجحت في تعرية الاحتلال وقادته أمام العالم.
غانتس أراد مسح عار هزيمته في الحروب السابقة ولا سيما معركة "سيف القدس" حين توحدت جميع فصائل المقاومة في غرفة العمليات المشتركة لإدارة الحرب مع الاحتلال، وقد دكت عمقه وأطرافه ومطاراته وموانئه، وأخذ يناشد الوساطات لوقف العملية التي اعترف فيها بهزيمته، ليقينه بشراسة المقاومة الفلسطينية التي فرضت عليه معادلة الردع بالردع والقصف بالقصف، لذا لجأ إلى أسلوب الغدر وهو الاستفراد بفصيل دون الفصائل الأخرى عملا بمقولة "فرق تسُد"، بهدف الغدر، حيث أقدم على ارتكاب جريمة قتل الشهيد تيسير الجعبري بدم بارد الجمعة الماضي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غباء قادة الاحتلال لاعتقادهم بأنهم حققوا هدفهم، ولكنهم صدموا بصمود مقاتلي السرايا لأيام بنفس الزخم والثبات، بتأييد شعبي واسع وتساندهم جميع قوى المقاومة دون استثناء، على عكس ما كان يريده غانتس بإحداث الفرقة والفتنة (لا سمح الله)، بل العكس من ذلك، عملت على وحدة الساحات الداخلية والخارجية على حد سواء.
اعتقد غانتس أن بمقدوره تحدي فصيل قوي بوزن الجهاد الإسلامي، وأنه فريسة سهلة يمكن الانقضاض عليه، ومن ثم يفرض عليه عضلاته ويبتزه سياسيا وعسكريا كي يرضخ ويستسلم لتهديداته ومن ثم يحقق انتصارا معنويا لينجيه سياسيا من المساءلة ويتخذ منه إحرازا كبيرا تحضيرا للانتخابات، وليس كما يدعي بإرجاع الردع، فهو يعلم أن القصف الجوي دون المواجه الميدانية على الأرض لا يمكن أن يكون مقياسا لتحقيق انتصار عسكري ولا معنوي ولا سياسي، بعكس ما يدعيه غانتس.
فقد أعلن غانتس الحرب فقط على حركة الجهاد الإسلامي، وهو يعلم بأنه لا يقدر على المواجهة الشاملة مع فصائل المقاومة، كما في الحروب السابقة، لأنه جرب ذلك في عدة حروب وثبت فشله.