فلسطين أون لاين

قذيفة إسرائيلية تنهي حلم فنانة تشكيلية

تقرير "دنيانا العمور" تغمض عينيها عن واقع رثته بريشتها

...
رسومات الشهيدة دنيانا العمور
خانيونس/ مريم الشوبكي:

احتست دنيانا العمور الشاي مع عائلتها في فناء بيتها الريفي بين الأشجار في حي الفخاري على الحدود الشرقية لمحافظة خان يونس، اقترب موعد أذان عصر يوم الجمعة، الخامس من أغسطس الجاري، غادرتهم وذهبت للوضوء لأنها تعودت أن تقيم صلاتها فور انتهاء الأذان.

اتجهت دنيانا (22 عامًا) نحو غرفتها وأدت صلاتها، ومن ثم اتكأت على سريرها فتحت مصحفها ترتل آياته، وتراجع الجزء التاسع من القرآن، فهي على موعد مع تسميعه على مُقرءتها على مجموعة التواصل الاجتماعي "واتساب"، إذ مضت منذ فترة في مرحلة تثبيت المصحف كاملًا.

كانت أختها المتزوجة في زيارة لعائلتها، استأذنتها بأداء صلاة العصر في غرفتها والبقاء للحظة، ولكن دنيانا رفضت لأنها تريد أن تُركّز في تسميع القرآن، وما لبث أن طرق أخوها الباب وطلب أن يجلس معها ولكنها رفضت أيضًا، وطلبت منه إغلاق الباب.

في الغرفة المجاورة جلست الأم تخبز أرغفة الخبز التي أعدتها فور عودة التيار الكهربائي، ومن حولها أبنائها، ما هي إلا ثوان قليلة حتى دوى صوت انفجار عنيف في البيت، وتناثرت الشظايا عليهم.. هرع الجميع خارج المنزل.

وقفت العائلة في حالة ذهول وصدمة من الصوت الذي سمعوه، يتفقدون أجسادهم التي كانت تغطيها الدماء، فجأة صرخت زوجة أخيها "دنيانا وينها.. دنيانا استشهدت"، ركضوا نحو الغرفة فوجدوها غائبة عن الوعي وغارقة بدمائها ومصحفها بجانبها.

اخترقت قذيفة إسرائيلية جدران غرفتها، واستهدفتها مباشرة، وأصابتها بإصابات بالغة الخطورة، فيما أحدثت الشظايا دمارًا في البيت. 

جدران الغرفة غطّتها دنيانا التي كانت تدرس الفنون الجميلة وتبقّى فصل على تخرجها، بلوحات رسمتها بريشتها لعائلتها، وشخصيات فلسطينية بارزة، وشهداء، وفن تشكيلي، بقيت شاهدة على موهبة كبيرة في الرسم، وحلم رسامة تتمنى أن تكون مشهورة يوما ما في الفن التشكيلي الذي تبرع به.

حدث غير متوقع

يروي هندي العمور ابن عمة دنيانا وزوج أختها الكبرى، والشاهد على جريمة قتلها وهي آمنة تقرأ القرآن في غرفتها التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن الحدود مع الأراضي المحتلة للعام 48م.

يقول هندي لـ"فلسطين": "طلبت زوجتي زيارة أهلها فأوصلتها إلى بيتهم نحو الساعة الثالثة بعد الظهر، وغادرتُه على الفور على غير عادتي، وما إن وصلت بيتي حتى سمعت دوي انفجار قوي هزّ أرجاء خانيونس، استطلعت سحابة الدخان ولم أكن أتوقع للحظة أن المستهدف هو بيت عمتي".

يتابع: "حاول أخوها عاصم إخراجها من البيت لإسعافها، مع الصدمة اتصل أبوها بالشرطة بدلًا من الإسعاف لنقلها إلى المشفى، إلا أنها تأخرت بسبب بُعدها عن مكان البيت".

حاول الجيران إسعاف دنيانا، هبوا للاقتراب من بيتها، وإذ بوابل من الرصاص ينطلق نحوه امتدت فترة إطلاقه لنحو 20 دقيقة، لمنع أيّ شخص من الوصول.

بعدما توقف الرصاص حمل إخوتها وأبوها جسدها الذي ينزف دمًا، ويركضون في الشارع لعلهم يجدون أي وسيلة ينقلونها بها إلى المشفى، فلم يجدوا إلا سيارة زراعية فنقلوها بها.

يُبيّن هندي أنّ دنيانا وصلت إلى المستشفى الأوروبي قلبها ينبض بالحياة، وأُدخلت على الفور غرفة العناية المركزة، حاول الأطباء إنقاذها وبعد ساعات قليلة لم يقوَ قلبها على تحمُّل الإصابة لتُسلم الروح إلى بارئها.

دنيانا كانت الفتاة الهادئة الملتزمة بصلاتها فور سماعها الأذان. فلطالما غبطها عليه والدها الذي لا ينفك عن ترديد: "يا حسرة علينا نيالها دنيانا أول ما تسمع الأذان تصلي".

دنيانا لم تكن الشهيدة الأولى في عائلتها، فقد سبقتها عمتها التي استُشهدت بقذيفة إسرائيلية أيضًا في عام 2015م، ولم يتمكن الإسعاف من الوصول إليها بسبب وجودها في منطقة حدودية.

عادت العائلة إلى البيت لتتلقّى واجب العزاء بدنيانا، وما إن وصلت حتى تجدد إطلاق النار من قِبل جنود الاحتلال الذين يتمركزون خلف السلك الفاصل.

غادرت دنيانا الدنيا غير آسفة على ما فيها، فقد ختمتها بآيات من القرآن الكريم.