لقد كان لافتاً إبان العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، أن كيان الاحتلال قد عمل جاهداً للعمل المكثف على جبهتين وهما جبهة الميدان العسكري، وجبهة الميدان الدعائي الإعلامي وبزخم غير مسبوق خاصة وأن "الحرب خدعة" مورست وعلى نحو نافر إبان المعارك التي امتدت لـ 55 ساعة وهي وزارة الشؤون الاستراتيجية والإعلام. هذه المؤسسة التي تدير جيشاً موازياً لجيش الاحتلال يقودها دوماً ضباط سابقون في الاستخبارات، وهي بمنزلة جهاز تجسس جديد بنُظم الدعاية الإعلامية لديهم.
وكان أن تجلى ذلك في عديد من الأشراك الخداعية الإعلامية التي انتشرت على نحو مكثف مجتمعة في كل وسائل الإعلام التقليدي من قنوات فضائية وإذاعات وصحف إلى جانب وسائل الإعلام الجديد لمواقع التواصل الاجتماعي. تكثفت الاتصالات وعلى شكل منتظم وإلزامي بجميع المعنيين بذلك وتواصلت اجتماعاتهم قبل بدء العدوان الغادر يوم الجمعة الماضي حين تم قصف برج "فلسطين" غرب مدينة غزة في حي الرمال لاغتيال الشهيد قائد منطقة الشمال لسرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي ومن معه.
وعملت هذه العجلة الدعائية على الترويج بأن الوساطة المصرية تسير على قدم وساق، بل إن العدو أوحى للوسيط المصري بأن (تل أبيب) جاهزة لتهدئة الأجواء المحتقنة بعد اجتياح جنين ومخيمها واعتقال قائد منطقة الشمال في الجهاد الإسلامي بسام السعدي الذي جرح بشكل بالغ وقام جيش الاحتلال بالتنكيل به وسحله.
كما أن العدو وعبر ماكنة دعائية وعبر مراسليه ووسائل إعلامه قال إنه بصدد إدخال عدد من الشاحنات التي تحمل وقوداً وغازاً لقطاع غزة رغم إغلاقه لمعبر إيرز ومنع دخول التجار والعمال والحالات الطبية والإنسانية وحتى البعثات الأجنبية إلى فلسطين المحتلة، وكذلك معبر أبو سالم، إلى جانب الإيهام باستعداده لإطلاق سراح الأسيرين العواودة المضرب عن الطعام والسعدي. حاول العدو بهذا كله القول إن الأمور تسير على سجيتها، بل ولم يتوقف الاحتلال عند هذا الحد بل استمر في مهاجمة مواقع المقاومة في كل القطاع المحاصر مقدماً على اغتيال قائد منطقة الجنوب الشهيد خالد منصور.
كما أنه بدا بدعايته السوداء أنه لا يستهدف غير حركة الجهاد الإسلامي في محاولة بائسة ويائسة لدق الإسفين بين الفصائل المجاهدة. ولكن المقاومة المقتدرة الراشدة والواثقة من حصانة أواصر رفقة السلاح والمصير، التقى قادتها جميعاً لتقييم الموقف، والتأمت قيادات الأجنحة العسكرية في "غرفة العمليات المشتركة"، وكان القرار الموحد المشترك الرد بحرب استنزاف تنهك جيش العدو وتشل كيانه المؤقت وقد توزعت المهام والجبهات بين فرسان فصائل المقاومة التي بدأت باستهداف مواقعه العسكرية والاستراتيجية وفرض حصار خانق على مستوطنيه في مستعمرات "غلاف غزة" لتمتد حتى منطقة غوش دان والقدس وبئر السبع.
وكانت قيادات العدو في اجتماعات مفتوحة في "الكرياه"، وزارة جيش العدو بحضور رئيس الوزراء الانتقالي يائير لابيد وبيني غانتس وزير الأمن وأفيف كوخافي رئيس الأركان وبار رئيس الشاباك ورئيس الموساد وعدد من القادة الأمنيين والعسكريين.
لقد انصبت محاولاتهم على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن والحفاظ على ما اعتبروه نصراً باغتيال قادة سرايا القدس لتسويقه في معاركهم الانتخابية وصراعات ديوكهم في الدورة الخامسة للانتخابات التشريعية خلال حوالي ثلاث سنوات ونصف في الوقت الذي لم يزل فيه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأسبق المنصرف إعطاء نصائحه الأمنية وهو الذي غادر مواقعه يجر عديد الخيبات على مدار 15عاماً مضت والغارق في فضائح الفساد والرشوة وسوء الائتمان.
هذا التنافس الذي يقوده وزير الأمن بيني غانتس هو محاولة للهرب إلى الأمام من وحل سقطاته إبان معارك تموز 2014 المجيدة والتي كشف كوارثها مراقب الدولة المستشار شابيرا في حينه. لقد أحرزت المقاومة الموحدة ظفراً جديداً وراكمت نقاط قوة تضيف إلى رصيدها الزاخر بالصمود والمواجهة في تكريس معادلة الردع وتوازن الرعب.
وكما أكد رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي د. محمد الهندي بأن دسائس ومؤامرات الاحتلال لضرب العلاقات البينية في صفوف المقاومة فشلت على صخرة الوحدة والتنسيق وفي المقدمة مع الإخوة في حركة المقاومة الإسلامية حماس. وأضاف أن العدو فشل في فصل الضفة عن غزة وعن كل الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية.
وهكذا كان العمل الموحد في الميدان الذي أكدته الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمجاهدين وكل فصائل العمل الوطني. وفي عزاء شهداء رفح وعلى رأسهم القائد منصور، تحدث د. خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" مؤكداً "أن ما يربطنا بإخواننا ورفاقنا في حركة الجهاد وثيقة لا تنفصم، وقد خضنا اليوم جولة أخرى في مواجهة العدو على طريق كنس الاحتلال بسواعد موحدة وحتى التحرير، فهدفنا واحد وسلاحنا واحد ومقدساتنا واحدة".