فلسطين أون لاين

تقرير المواطن "حبوش".. نفض عن ذاكرته الحزن ففجع بدمار ورشته

...
غزة/ مريم الشوبكي:

نفض سامي حبوش عنه غبار الحزن والمرض ساعيًا نحو رزقه، تنفّس الصبح وأشارت عقارب الساعة إلى السابعة صبيحة السادس من أغسطس/ آب الجاري، لبّى نداء حي على العمل، متجهًا نحو ورشة الحدادة الكائنة في بناية "خليفة" غرب مدينة غزة.

بدأ سامي (32 عامًا) بإنجاز الأعمال المتراكمة عليه منذ أسبوعين، والذي كان يستعجله أصحابها على إنجازها، ولسانه يلهج بالدعاء بأن يفتح عليه الله أبواب رزقه ليتمكن من سداد ديون أثقلت كاهل والده الذي توفي منذ أسبوع، وتركه يكابد لقمة عيش 17 فردًا وحيدًا.

شقا العمر

ما هي إلا لحظات حتى قطع حبل أفكاره صراخ الجيران: "اخلوا، اليهود بدهم يقصفوا عمارة خليفة"، لم يدرِ سامي ماذا يفعل، حاول التخفيف عن نفسه بأنّ المقصود ربما بناية خليفة الثانية التي تجاور الورشة، لكنّ صرخات الجيران عادت لتؤكد بأنّ البناية التي تعلو ورشته في الحاصل المستأجر هي هدف الاحتلال الذي ينوي تدميره.

ابتعد سامي أمتارًا محتميًا في ركن شديد وهو يضرب الكف بالكف، وما هي إلا ثوانٍ حتى دكت الطائرات الإسرائيلية البناية المكونة من طابقين بالصواريخ، وأصبحت أثرًا بعد عين، طُمست معالم ورشته وسُوّيت بالأرض صاحَ: "شقا عمري وذكرياتي ضاعت، الله يرحمك يابا".

سامي شاب بسيط لم يكمل تعليمه الدراسي، وآثر مرافقة والده وتعلم الحدادة على يدي والده منذ (22 عامًا)، يقول لـ"فلسطين": "قبل أسبوعين تعرضت لوعكة صحية ألزمتني المبيت في المستشفى لعدة أيام، وفي تلك الأثناء تلقيت خبر وفاة والدي الذي كان يعمل عاملًا في الأراضي المحتلة عام 48م، فقد أصيب هو على رأس عمله بجلطة قلبية أنهت حياته على الفور".

يتابع: "لذا اضطررت طوال تلك المدة لإغلاق الورشة، ويوم السبت قررت العودة إلى العمل لكي أتمكن من تأمين قوت يومي وعائلتي، وعائلة أخي الذي يعاني إصابة عمل أيضًا ويتلقى العلاج ولا يقوى على العمل".

يكمل سامي: "الحمل الذي تركه أبي ثقيل جدًا عليّ، تركت أخي يدرس في الجامعة، وأختي نجحت في توجيهي وتحلم بدراسة الجامعة أيضًا، ووالدتي لا حول لها ولا قوة، وثلاث بنات وولد هم عائلتي، وديون كبيرة لم يقوَ أبي على سدادها، كل ذلك مطلوب مني أن أغطيه من مصاريف الورشة".

لم يمهل الاحتلال سامي ولا سكان البناية أي وقت لإخراج أي شيء من المعدات، فبكى على ضياع شقا عمره، ونسف آماله التي كان يبنيها ويحدث والدته بها صبيحة يوم قصفها "يما بدنا نحط الشيكل على الشيكل علشان ندخل أختي الجامعة".

ديون والده

كان سامي ينوي أيضًا الدخول في "جمعية" لكي يتمكن من سداد ديون والده التي فاقت 14 ألف شيقلًا، والتي استدانها لدفع إيجار الورشة، وبعضها لتغطية تكاليف عملية القلب المفتوح التي أجراها منذ سنوات.

يقول: "كل ما يهمني هو أن أريحه في قبره، لذا أجاهد من أجل سداد ديونه"، لافتًا إلى أن بيته أصيب بأضرار بفعل قصف بناية خليفة وورشته، فقد تمزقت خزانات المياه، وتكسرت الشبابيك.

وفاة والد سامي قصم ظهره، وجاء قصف الاحتلال لورشة الحدادة التي حملت أجمل ذكرياته مع والده الذي لم يعلمه المهنة فقط، بل أصول تعامله مع الناس بالحسنى وعدم قطع أرحامه حتى لو كان في أحلك ظروفه المادية، ليزيد من آلامه وإنهاء جميع أحلامه.

حرقة في قلب سامي لا تزال نيرانها مشتعلة بعدما اتجه صبيحة اليوم التالي لتفقد الورشة، خاطر بحياته من أجل البحث عن أي أداة، أو آلة يمكنه إخراجها، لعله يتمكن من العودة إلى مزاولة مهنته وتأمين قوت يوم عائلته على الأقل.

في تلك اللحظة شاهده خاله، فالبناية حجارتها ما تزال تتحرك، ويمكن أن تقع عليه وأن تنهي حياته في أي لحظة، صرخ عليه بالابتعاد، والتوكل على الله في رزقه.

يختم سامي حديثه: "نظرًا لضيق حالي أتمنى من أي جهة توفير معدات حدادة لي لكي أعود لممارسة عملي، أو تعويضي عن الأضرار سريعًا، أو حتى منحي أي عمل بديل لي حتى أستمر بتوفير حياة كريمة لعائلتي، وسداد ديون والدي فالدائنون لا ينفكون عن المطالبة بحقهم".