فلسطين أون لاين

(17) فردًا نجوا من صاروخ إسرائيلي سقط على منزلهم ولم ينفجر 

تقرير عائلة "الريفي".. فرحة عروسين احترقت

...
عائلة "الريفي".. فرحة عروسين احترقت
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بعد لمة عائلية واجتماع على مأدبة الغداء توزعوا في أنحاء شقتهم الواقعة في الطابق "السابع" ببرج "فلسطين" في مدينة غزة، يرحبون بالوافد الجديد إلى عائلة "الريفي" الفتاة "إسراء"، كنة العائلة الجديدة وخطيبة ابنهم "صقر"، جاءت لترتيب آخر استعدادات حفل زفافها بعد شهرٍ.

كانت الأم بالمطبخ، وصقر يعاين أثاثه الجديد مع خطيبته إسراء، الأب يأخذ قيلولة في غرفته ويجلس بقربه ابنه وائل (12 عامًا)، أما ابنه "صخر" فكان يجلس في غرفته مع أطفاله، وكذلك "محمد" كان يجلس مع أطفاله في غرفة أخرى.

أكثر من سبعة عشر فردًا من العائلة كانوا تؤويهم الشقة، أبناء وزوجات وأحفاد، في لحظةٍ تغير المشهد، ارتجت جدران البرج، رجات متعددة، طار زجاج النوافذ وتساقط على رؤوس الأطفال، ارتجفت قلوبهم وتعالى صراخهم وبكاؤهم، بسرعة خبأ محمد أطفاله الأربعة أسفل فرشة، أصواتُ الانفجارات تتوالى، ضربة ثانية، فثالثة، فرابعة، حجبت الرؤية، المصابون يسعفون مصابين، هكذا كان المشهد.

في الطابق الثالث، بمبنى الطوارئ في مجمع الشفاء الطبي تجلس أم محمد الريفي بجانب ابنها المصاب صخر، يتمدد الجريح على السرير الطبي تملأ جسده خدوش دائرية صغيرة من أثر الشظايا والجدران التي تحولت إلى شظايا أخرى، بعد أن كانت مصدر أمان للعائلة طوال سنوات عمرها وتحفظ ذكرياتهم من الضياع، تلف الجبيرة يديه وقدميه لا يقوى على الكلام، يرافقها من نجا من أبنائها.

فرحة لم تتم

تعيد الأم رسم المشهد لصحيفة "فلسطين" وعلامات الصدمة تسيطر على ملامحها: "جاءت خطيبة ابني صقر، كنا سعداء بقدومها نرتب لحفل الزفاف الذي سيعقد بعد شهر أو شهرين، فجأة سمعنا صوت القصف ثم لم أرَ إلا غبارًا يملأ الشقة ويحجبُ النظر ونارًا حارقةً، بعد انقشاع الغبار، رأيت زوجي مصابًا بجروح برأسه والدم ينزفُ، وبجواره صاروخ اخترق سقف المنزل لكنه لم ينفجر، ولو انفجر لربما احترقنا جميعًا، وانضمت مجزرة جديدة إلى قوافل الشهداء".

"رأيت ابني الصغير وائل يتقلب من الألم والإصابة، فناديت على بقية أبنائي، وكانوا مصابين وبعضهم يحاول نقل أطفاله والخروج بهم، فحمله أبناؤه وهم مصابون إصاباتٍ بليغةٍ والدماء تنزف منهم، الأطفال كانوا مرعبين ويرتجفون" ترتب الحدث، وحولها ينصت الزائرون لروايتها بذهول.

ما زالت تحرك تفاصيل المشهد: "نزلنا عن الدرج مسرعين خوفًا من استهداف البرج كما يفعل دائمًا، اعتقدت أنني لم أنجُ وأنها آخر اللحظات في حياتي، ولحقت بأولادي إلى المشفى، وتفاجأت أن أبنائي الذين أسعفوا والدهم على أسرة المستشفى مغمى عليهم، ومصابون، ويبدو أنهم تحاملوا على جروحهم في أثناء خروجنا من المنزل مع "حلاوة الروح" لإسعاف والدهم".

ترسم بعينيها قصة عائلة نجت بأعجوبة من موت حتمي، وإن لم ينجُ بيتها الذي احترق وأصابه دمار كلي، تضرب يدًا على ظهر يد: "راح حلمنا، ودارنا، وكل شيء، واحترقت فرحة ابني صقر وخطيبته، لكن الحمد لله أنه سلمنا ولم ينفجر الصاروخ بمنزلنا".

إسراء التي كانت سعيدة بقرب إتمام مراسم زفافها شيعت فرحتها، ونقلت مغبرة على حمالة إسعاف إلى المشفى، وأصابتها بعض الجروح، لكن حتمًا هذا المشهد لن تمحوه الأيام من تلابيب ذاكرتها.

لحظات مرعبة

في الطابق الأسفل بمستشفى الشفاء كان محمد يتفقد شقيقه محمود، حالته كحال شقيقه صخر، جروح صغيرة تغطي كامل جسده وتلف الجبيرة يده وقدمه، لا يستطيع كذلك الكلام، يصف محمد ما عاشه، وهو لا يصدق أنه وعائلته خرجوا أحياءً، وأنه الآن يتحدث: "ما عشناه كان لحظات مرعبة بكل معنى الكلمة، رأيت النار تدخل من النوافذ، أول مرة تنزل الصواريخ من فوقنا فتخترق السقف والأرضية، أصبحنا كأننا معلقون في الهواء، كنا ننتقل ونحن مصابون بحذر خوفًا من السقوط".

"نار، ودخان، وضغط هواء، لم نكن نستطيع التحرك من شدة الألم، لكننا تحاملنا وأخرجنا الأطفال، مجموعة حملت أبي، والبقية كل واحد منا حمل طفلًا" يضع يده على مفصل قدمه بعد وخزة قوية غيرت مسار حديثه إلى مشهد آخر: "أصعب شيء عندما رأيت الزجاج يتطاير على أطفالي بالضربة الأولى، لكني تصرفت بسرعة خلال ثوانٍ وضعت فوقهم فرشة نومي لتحميهم، ثم انهالت عدة ضربات متتالية، لم أتوقع أن ننجو منها".

يعرض محمد في هاتفه صورًا لبيتهم المحترق، اللون الأسمر يملأ الجدران، يتوقف عند غرفة شقيقه العريس متحسرًا عليه: "أحرقوا فرحته، كما أحرقوا حياتنا، وشردونا، كان بيتنا المكان الوحيد الذي يؤوي ثلاث عائلات تضم سبعة عشر فردًا، لا نعرف إلى أين سنذهب وأين سنكن؛ فبيتنا غير صالح للعيش".

يعرض صورًا أخرى لكل غرف المنزل وبدت متفحمة تمامًا، وكأنه أصبح فراغًا بين طابقين، فأعلاه هناك فتحة دائرية بفعل الصاروخ، وفي أرضيته أيضًا هناك فتحة، تطايرت جدران جوانبه، واحترقت الجدران الداخلية بما فيها من أثاث وعفش، وذكريات وأوراق رسمية، وأغراض مهمة جمعوها على مدار حياتهم، لم ينجُ هؤلاء بسوى أرواحهم، يأخذ نفسًا هادئًا حامدًا الله على نجاتهم: "جاءت في البيت ولم تأتِ فينا، وهذا أهم شيء، البيت يعود، لكننا لو فقدنا أحدنا فلن يعود".

المصدر / فلسطين أون لاين