أربعة عشر يومًا بألف عام حين خرجت القدس بقضها وقضيضها لا تلوي على شيء، وكان لِباب الأسباط سِفْرهُ الخاص في تاريخ مدينة القداسة، حتى بات أبناء القدس الأبطال يُكنونه بـ"باب الأسود، وقد ارتقى على جدرانه شهداء وسقط جرحى واعتقل المئات، وكان الباب سَنَدًا وحُضنًا وحِصْنًا لعشرات الآلاف الذين تقدموا ثابتي الخطى على طريق قرروا فيها الشهادة أو النصر، والإصرار على فتح بوابات المسجد كي يعود حرًّا لكل المؤمنين.
في الواقع كان لكل باب حكايته، فباب حُطة كاد يكون موئلًا لشهداء جُدُد حين أَصرَّ العدو على إغلاقه واستقدم له الممرات الحديدية، والكاميرات الذكية، والمجسات الحرارية الإلكترونية في اللحظات الفارقة.
لقد أَصَرَّ العدو النازي على إبقائه مُغلقًا؛ فجاء الإنذار من شباب حُطة، أن افتحوه طائعين، أو سَنَقتحمه فنستحيل جسرًا للرفاق أن يعبروا إلى بوابة السماء ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
مهلة الإنذار 15 دقيقة، الشباب يَستعدون وقرارهم طوع يمينهم، ويبدأ العَدّ التنازلي فيتقدم الشُهداء الأحياء، العدو يَكْتُم الأنفاس والرسائل عَبْر الأجهزة الدقيقة تتوالى مع نتنياهو، وهكذا كان أن "افتحوا كل الأبواب، واسمحوا لكل الأعمار، وارفعوا كل العوائق، وتراجعوا إلى الخلف بقليل.
اكتشف العدو أن عشرات الآلاف الذين كانوا في الواجهة وأمام البوابات ليسوا إلا الخط الأول لزحف يسير حتى اليوم لحماية أطهر وأقدس بقعة في فلسطين.
ينحسر هذا العدو الأخرق، الذي بات أسوأ أعداء نفسه، ويحشد كل دقيقة أعداءً جددًا له؛ فَحماقَتَه وتَخبطه وتراجعه عن قراراته وضبابية رؤاه، وصمود المقدسيين المتعاظم والصامد واستعدادهم غير المسبوق للاستشهاد والمواجهة أفقدته بصيرته؛ فقرر رفع الراية البيضاء في هذه المرحلة.
العدو يذهب إلى أكثر المواجهات حساسية، وهي منع المؤمنين من أداء شعائرهم الدينية بحرية، فالقانون الدولي _وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ميلادية_ تنص على ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، وكذلك أكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حرية العبادة كونها من الحقوق المدنية والسياسية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه ومعتقداته، فأكدت المادة (18) من العهد أن: "لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين".
وأكد القرار الدولي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) بشأن الصراع العربي – الصهيوني مبدأ حق الوصول إلى الأماكن المقدسة والصلاة فيها.
ولهذا ولإيمان المقدسيين وبقية الشعب الفلسطيني بحقهم العميق وغير القابل للتصرف في ثوابتهم الوطنية قرروا الزحف والمقاومة والمواجهة، تلك التي وضعت العدو في حالة تخبط وسيادة العمى السياسي والأمني وغياب التخطيط والتعامل بتكتيكات ردود الفعل ومعالجة الصدمات بالممكن، فغابت السيطرة وقد وصلت إستراتيجيات وخطط العدو خلال أكثر من عقد من الزمان إلى جدارها الأخير.
لقد تَجَلَّت وحدة الشعب كل الشعب _وفي القلب منه رجال ونساء وفتيان القدس_ في أبهى معانيها، وكان الجميع على قلب رجل واحد.
ولكن شعبنا اليقظ والمتحد تعلم دروسًا مستفادة كثيرة، وهو قد بدأ الإعداد والاستعداد إلى قادم الأيام، خاصة أن جوهر خطة العدو ارتكاب أم الجرائم بتهويد القدس مدينة وجبلًا بهدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم.
وها قد بدأ بحملة اعتقالات غير مسبوقة للمرابطين الذين يُعدون بالمئات، وإبعاد مرابطين ونشطاء غيرهم عن القدس، ويَمُدُّ العدو حملة اعتقالاته لتنال عشرات النشطاء على طول وعرض الضفة الفلسطينية المحتلة، إلى جانب أحكام التوقيف الجائرة، واعتقال العشرات من قيادات حماس ومن الأسرى المحررين.
ولكن عملية "جَزّ العُشب" ارتدت إلى نحورهم، فَسَقط منهم العديد من القتلى والجرحى من قطعان مستوطنيهم وسوائب جنودهم.
يواجه الاحتلال اليوم شعبًا يقظًا مُوحّدًا مُدرّبًا، فكيف لعدو أن يعتقل شعبًا قرر المقاومة والنصر وتحقيق الأهداف قريبًا، إن شاء الله؟!