إن ما يدعيه الاحتلال لا ينطلي على أحد، فمن يصدق أن المقاومة الفلسطينية في غزة تتسبب في إيذاء شعبها في غزة -كما يدعي الاحتلال- بوضع مواقع عسكرية في المناطق المدنية، والحقيقة على العكس من ذلك، فالمقاومة حريصة كل الحرص على دماء المواطنين والحفاظ على سلامتهم وأمنهم، وتركز جهودها على مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة لديها من أجل تحرير الأسرى والمسرى وفك حصار غزة ومؤازرة الضفة ونصرة القدس.
الاحتلال يستخدم كل الأساليب القذرة بما فيها الأسلوب النفسي لإحداث فتنة وقلاقل وزعزعة استقرار المواطنين ببث أكاذيب وافتراءات ما أنزل الله بها من سلطان، فمعروفٌ من هو الذي يحتمي بالمدنيين كدروع بشرية خلال عدوانها على الشعب الفلسطيني المتواصل، ومن قبله العصابات الصهيونية بما كان يسمي بالهجاناة واتسل وارغون.. قبل احتلال فلسطين عام 1948، وقد ارتكبوا مجازر عديدة ضد الشعب الفلسطيني وهجروا الآلاف، وكذلك بعد الاحتلال وما يزال يتواصل العدوان. فقوات الاحتلال، وخلال عملياتها العسكرية العدوانية ليس في غزة فحسب بل في الضفة الغربية يتخذون من المدنيين دروعًا بشرية ليحموا أنفسهم خوفًا من القتل أو الخطف في أثناء العمليات العسكرية والأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الآن يتباكى جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين، فقط في الحرب الأخيرة على غزة استشهد 232 مدنيًا فلسطينيًّا، منهم 65 طفلًا، و39 سيدة، ناهيك بالجرحى والمهجرين ونسف المنازل والأبراج والمساجد والمستشفيات والمقرات الحكومية، هل قتلتهم المقاومة، قوات الاحتلال ترتكب المجزرة تلو المجزرة وتتهم المقاومة باستهداف المدنيين واتخاذهم دروعًا بشرية، مع أنها هي من تقوم بذلك بشهادة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الذي مقره جنيف، حيث أصدر مجموعة من التقارير المعززة بأدلة وشهادات تنتقد (إسرائيل) لاستخدامها المدنيين دروعًا بشرية، وكان أهمها تقرير مفصل حمل عنوان "منظومة السيطرة الإسرائيلية: استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية"، وثّق فيه قيام السلطات الإسرائيلية في أثناء الحرب 2014 التي استمرت 50 يومًا باستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية. كما نفى التقرير الادعاءات الإسرائيلية باستخدام الفصائل الفلسطينية المسلحة للفلسطينيين كدروع بشرية، وأوضح أنه ما من أحد ممن قابلهم فريقه، ويزيدون على 400 شاهد، قال إنه جرى استخدامه كدرع بشري من الفصائل الفلسطينية، ونفى هؤلاء أن تكون الفصائل الفلسطينية قد أجبرتهم على البقاء في منازلهم التي كان من الممكن أن تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية بقصفها.
قوات الاحتلال الإسرائيلية لا تلتزم بأخلاقيات القانون الدولي الإنساني ولا تنصاع لقرارات ما يسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية، التي طالبته في عام 2002 بعدم استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع أو رهائن وطالبته بإلغاء إجراء "الإنذار المسبق"، وقد اعترضت على هذا الإجراء منظمات حقوقية وإنسانية إسرائيلية وعربية على رأسها مركز عدالة، جمعية حقوق المواطن، قانون- المركز الفلسطيني للدفاع عن حقوق الإنسان والبيئة، بتسيلم- مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، أطباء لحقوق الإنسان، اللجنة ضد التعذيب في (إسرائيل) ومركز الدفاع عن الفرد. وقد جدد قاضي الاحتلال، أهارون براك رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، انتقاده لجيش الاحتلال في عام ٢٠٠٤، بدعوة من المحامي مروان دلال من عدالة في الجلسة، أنه خلاف لادعاء الجيش، فإنه ما زال يستخدم المدنيين كدروع بشرية، وأن إدعاء "الاستعانة" بالمدنيين بعد موافقتهم غير قانوني، لأن القانون الدولي يمنع القوة المحتلة من التوجه إلى مدنيين في الأرض المحتلة وطلب مشاركتهم في عمليات عسكرية. كما أنه لا يمكن توقّع مثل هذه الموافقة، لا سيما أن المدنيين الفلسطينيين يعتبرون الجيش الإسرائيلي قوة محتلة ومعادية.
هذا الأسلوب العقيم الذي يتبعه الاحتلال يريد به شيطنة المقاومة وقلب الحقيقة بتغيير صورة وجهه الدموية العنصرية الذي تكشف للعالم وقد اشمأز من ممارساته البشعة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ولكي يبعد أنظاره عن حصاره المفروض على أكثر من مليوني انسان في غزة لمدة تزيد على العقد ونصف، وقد شن عليه خمس حروب متتالية أباد خلالها الأخضر واليابس، ولم يكف عن التهديد بمواصلة عدوانه، ولكن ما يقلق الاحتلال ليس سلامة المدنيين، فهو لا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا ولا امرأة ولا طفلًا والكل عنده مستهدف لنيران جنوده، بقدر تخوّفه من مواجهة عسكرية جديدة مع المقاومة في غزة تستطيع من خلالها تحقيق انتصار آخر على غرار سيف القدس وهذا ما لا يتمناه كونه يبحث عن أهم حلقة في عقيدته العسكرية فقدها في حروبه السابقة وهي استعادة مفهومي "القوة والردع"، رغم ذلك يعلم علم اليقين أنه غير قادر على تحقيق هدفه عسكريًّا كان أم أمنيًّا، لذا لجأ إلى الأسلوب النفسي بتشويه صورة المقاومة لتضليل الرأي العام.