مبادرة تقدم بها 38 نائبًا فرنسيًا إلى البرلمان الفرنسي في الثالث عشر من يوليو/ تموز الحالي، من أجل إدانة ما سموها "مأسسة (إسرائيل) نظام الفصل العنصري" ضد الشعب الفلسطيني، وجاء في نص المشروع أنه "تمّ استيفاء جميع معايير تأهيل نظام الفصل العنصري الذي أقامته دولة إسرائيل". وأضاف: "إسرائيل ارتكبت أعمالًا لا إنسانية عديدة، حددتها اتفاقية جريمة الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني". واستند المشروع إلى تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، ومنظمات غير حكومية مثل منظمة العفو الدولية، إضافة إلى قانون الدولة القومية في (إسرائيل) لعام 2018، الذي يقوم على ترسيخ نظام إثنوقراطي. ولذا دعا النواب الفرنسيون حكومة بلادهم إلى "العمل من أجل تفكيك" نظام الفصل العنصري. وطالبوا بـ"الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل". وأكّدوا أن "هذا هو الحل الوحيد الممكن لوضع حد لجميع أشكال العنف والتمييز وفتح مرحلة تاريخية جديدة من السلام". كذلك طالبوا بـ"الاعتراف بشرعية الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية"، الأمر الذي تمنعه فرنسا باسم حرية التعبير.
تعبّر المبادرة عن مواقف بعض أحزاب اليسار الفرنسي المؤيدة بصراحة ووضوح لحقوق الشعب الفلسطيني، مثل "حركة فرنسا الأبية" وحزب الخضر والحزب الشيوعي وأوساط من الحزب الاشتراكي، وتعكس اتجاهات التصويت في الانتخابات التشريعية أخيرًا في يونيو/حزيران الماضي، التي حقق فيها هذا "التيار" المركز الثاني بحصوله على 142 نائبًا. وتبيّن أنه حلّ بالمرتبة الأولى في الدوائر ذات الأغلبية المهاجرة، التي تناصر قضية فلسطين. وفي ضوء ذلك، يمكن قراءة جانب من الحملات الإعلامية الشرسة التي شنتها وسائل إعلام مساندة (لإسرائيل) ضد تجمّع اليسار وزعيمه جان لوك ميلنشون، الذي أطلقت عليه نعوتًا وأوصافًا تهدف إلى شيطنته، والتأثير في سمعته لدى الرأي العام، فهو في نظر بعض هذه المنابر ممثل التيار "اليساري الإسلامي"، وبعضها الآخر تعدّه متعاطفًا مع حركة حماس، وذلك بسبب تأييده القضية الفلسطينية، وحل الدولتين وانتقاد حصار قطاع غزة. ولذا صار قائد حركة "فرنسا الأبية" منذ عدة سنوات مستهدفًا من منظمة "الكريف" المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا، صاحبة التأثير الكبير في دعم (إسرائيل) في فرنسا. ومرارًا وتكرارًا، في أعوام 2009 و2014 و2018 و2021، رفض ميلانشون قطعيًا اتهامات معاداة السامية، التي يوجهها إليه أنصار (إسرائيل).
تزايد في الأعوام الأخيرة تأثير مؤيدي إسرائيل وأنصارها في فرنسا على مستويات القرار كافة، مقارنةً بما كان عليه الأمر قبل وصول نيكولا ساركوزي إلى الرئاسة في فرنسا عام 2007، حيث حصل تحوّل كبير في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه الشرق الأوسط والقضايا العربية، وخصوصًا المسألة الفلسطينية. وقبل ذلك، كانت السياسة الرسمية الفرنسية تعبّر عن توازن في الموقف تجاه حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والمشروعة والقضايا العربية، وبقي ذلك ثابتًا منذ عهد الجنرال ديغول الذي اتخذ موقفًا تاريخيًا خلال عدوان إسرائيل على العرب عام 1967 كلفه غاليًا، ولم يتغير الموقف في عهدي الرئيسين، فرانسوا ميتران وجاك شيراك، في دعم حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير؛ وضرورة الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، ودعم نضال الشعب الفلسطيني ومساندته في الحروب التي تعرّض لها من (إسرائيل)، ومنها اجتياح لبنان عام 1982.
ميلنشون أول سياسي فرنسي مهم التزم استخدام عبارة الفصل العنصري. وهو يرى أن على اليسار أن يبحث عن نفس جديد، وعن شجاعة سياسية، خصوصًا في ما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين، وهي شجاعة افتقرت إليها حكوماتٌ عديدة يُفترض أنها يسارية، بدءًا من حكومات فرانسوا هولاند، على الرغم من تصويت البرلمان في 2014 للاعتراف بدولة فلسطين بأغلبية ساحقة.