فلسطين أون لاين

هل سنجد طريقًا للخروج؟

...

د. زهرة خدرج

كاتبة وروائية فلسطينية

عالجت زر تشغيل المصباح بهدوء، فانطلق الضوء ينير الجدار.. تأملت المكان كانت الجدران عبارة عن حجرة واسعة منحوتة داخل الصخور.. يتوزع في أرجائها ما يشبه المقاعد، وخزائن تحتوي على رفوف، وهناك أسِرَّة أيضًا. وقفت بصمتٍ وتعجبٍ أتأمل المكان الذي كانت تملأ جدرانه لوحات عجيبة من النقوش المحفورة في الصخور بعضها ملون بألوان ظهرت باهتة لطول ما مرَّ عليها من الوقت: صور لبشر يرتدون ملابس تغطي الجزء الأسفل من أجسادهم، بعضهم يجر ثورًا يحرث الأرض، وبعضهم يحمل أوعية خشبية فيها ماء، والبعض الآخر يحمل ثمارًا على الحمير... حولهم أراضٍ مزروعة وحيوانات... 

بقي نقش الأفاعي ذات العيون اللامعة يدور في ذهني.. لم أجد شيئًا له علاقة بما أراه الآن.. قلت في نفسي: لا بد أن لها سرًّا خاصًّا قد ينكشف فيما بعد! أو قد تكون في الحجرة التي غادرتها قبل قليل.. لا أدري!

قطع أنين أمجد حبل أفكاري، فاستدرت نحوه أتفحص قدمه على ضوء المصباح الذي ضعفت بطاريته وأصبح خافتًا.. كانت قدمه متورمة جدًّا، مُزرَقَّة اللون، قلت في نفسي: قد تكون مكسورة.

ولكني قلت لأمجد: أظن قدمك بخير.. تعرضها لضربة قوية جعلها تؤلمك هكذا.. لا تقلق.. ستصبح أفضل بإذن الله!

خلعتُ قميصي، مزقته على شكل أشرطة طولية، لففت به قدمه، وقلت له: اصبر يا صديقي.. سنخرج من هنا بسلام بإذن الله.

أدركت حجم اليأس الذي تمكَّن من نفس أمجد حين قال: أخشى أن لا نتمكن من ذلك! كم سنصمد هنا في رأيك؟ لا يوجد معنا ماء أو طعام.. أشعر بضعف شديد، وآلام في جميع أنحاء جسدي، ولا أستطيع المشي! لا بد أن أهلنا يبحثون عنا الآن.. ولكن هل تظن أنه سيخطر ببال أحدهم أننا مدفونون هنا في أسفل الكهف؟ صرت واثقًا بأننا سنموت هنا جوعًا وعطشًا.

قلت: لا تيئس يا صديقي، نستطيع الصمود حتى الغد.. دعنا ننام قليلًا الآن.. وعندما نستيقظ سنتابع البحث.. 

ساعدت أمجد في الانتقال إلى السرير الحجري بعد أن مسحت عنه الأتربة بيدي، وأطفأت ضوء المصباح ووضعته في جيبي، واستلقيت أرضًا بهدوء.. فإذا بي أسقط في عالم عجيب.. 

جلست فوق كومة من الرمل.. كان أمامي جموع غفيرة من الناس يديرون وجوههم للناحية الأخرى، يهمهمون بكلمات مبهمة.. نهضت وتقدمت أريد أن أعرف ما يجري.. كانت الأرض يابسة مشققة والأشجار جافة وآثار لجدول كان فيه ماء.. أما السماء فكانت مغبرة صفراء..

أخذت أرتعد خوفًا حين نظرت في وجوه الناس ورأيت الضعف والعطش والجفاف يبدو واضحًا عليهم.. 

سألتهم: ماذا يجري؟ لماذا هذا العطش والجفاف..

لم يجبني أحد.. وكأنهم لا يسمعون.. أو كأن هناك ما يشغلهم أكثر أهمية من سؤالي!

ابتعدت عن الجموع ورحت أستطلع المكان بنفسي.. تكاد الأشجار تنعدم في هذا المكان المخيف.. سألت نفسي: أين ذهبت الأشجار؟ شاهدت بقايا سيقان أشجار ما زالت تتشبث بالأرض.. قلت: لقد قطعها البشر.. وجفَّت النباتات الصغيرة حتى تلاشت المساحات الخضراء على هذه الأرض.. تقدمت أكثر.. شاهدت جِيفًا وهياكل عظمية لحيوانات هالكة تستلقي هنا وهناك.. يا إلهي!! ماذا يجري؟ هل تمكن الجفاف من هذا البلد حتى فتك بحيواناتها ونباتاتها؟ إذًا الدور الآن سيلحق بالبشر!

أرعبتني الفكرة.. هل سيموت الناس بالطريقة ذاتها؟ لا بد من حل قبل أن يحدث ذلك!

سمعت صوتًا يصرخ مناديًا وسط الضجيج.. ركزت انتباهي، وتقدمت بين الجموع لأعلم ما سيقول.