رفضت أن تلوث يدها بيد قتلة الأطفال، ومغتصبي أرض فلسطين، رفضت أن تمد يدها لتصافح السفير الإسرائيلي في البحرين، هذا هو الجرم الذي اقترفته الشيخة مي آل خليفة، في زمن الهرولة إلى التطبيع مع العدو، لذلك أقيلت من منصبها رئيسةً لهيئة البحرين للثقافة والآثار.
لقد ضجت محطات التواصل الاجتماعي بالتأييد والتفاخر والاحترام لموقف الشيخة مي آل خليفة، لقد صارت -لجرأتها وصدق انتمائها- نجماً يتألق في سماء الثقافة العربية الرافضة للاحتلال، وممثلة لموقف كل المثقفين العرب الرافضين للخضوع للإملاءات الإسرائيلية، والرافضين لزيارة بايدن، الذي أراد أن يربط الأمة العربية بذيل الصهاينة، فجاءت ردة فعل هذه المرأة العربية، معبرة عن وجدان مئات الملايين من العرب؛ الرافضين لنهج التطبيع والتعاون الأمني مع العدو الصهيوني، إنها المشاعر العربية الجياشة والصادقة، التي وجدت الشيخة مي آل خليفة، ممثلاً شرعياً لها، وهي ترفع رأسها بأمتها، وتبادلهم المحبة، وتقول:
من القلب ألف شكر لكل رسالة وصلت إلي، وحدها المحبّة تحمينا وتقوّينا".
والمحبة هنا لفلسطين أرضاً وقضية وتاريخاً، والمحبة هنا للمسجد الأقصى عقيدة ووطن، والمحبة هنا للمقاومة شعباً ورجالاً وبطولات، تعانقها أمة تحترم نفسها، وتفتخر بحضارتها، وترفض أن يهان حاضرها تحت أقدام عدوها.
حديث المحبة يأخذنا إلى حديث الكراهية لكل من يهين الشعوب، ويحتقر إرادتها، ويغتصب انتماءها لتاريخها وثقافتها، الكراهية هنا بمنزلة احتقار قومي لكل متسلط مستبد، حشر مستقبل الأمة العربية في زنازين الأحقاد الصهيونية.
كانت الشيخة مي آل خليفة ستهين الثقافة والمثقفين، وتحتقر التاريخ العربي، والآثار الإسلامية، لو تصرفت بشكل مغاير لموقعها الوظيفي، فطالما كانت رئيساً لهيئة البحرين للثقافة والآثار، فهذا الموقع يملي عليها الموقف، وهذا هو واجب المثقف العربي، وهذا هو دور المثقف، أن يقف مع وطنه، وشعبه وتاريخه، لا أن يلوث التاريخ العربي بالتودد إلى حاضر السياسة المنزلق إلى الهاوية.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فالشيخة مي آل خليفة تذكرنا بمئات المثقفين والمبدعين العرب، الذين رفضوا تلبية دعوة وزيرة الثقافة الفلسطينية، التي كانت تمثل حزب فدا، في حكومة سلام فياض، لقد وجهت الوزيرة سهام البرغوثي 9/10/2012 الدعوة إلى العرب جميعا، وتحديداً الأدباء والمثقفين، لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أجل مساندة الشعب الفلسطيني في محنته، موضحة أن من يتحدثون عن التطبيع مع إسرائيل من خلال زيارتهم إلى "دولة فلسطين العربية"، لن يجدوا شيئا إسرائيليا واحداً، لأنها أرض عربية خالصة، ومن ثم، فإن زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان.
ولكن المثقفين العرب جميعهم رفضوا الدعوة، ورفضوا أن يكونوا شركاء في التسويق للتطبيع والتعاون الأمني تحت راية الثقافة الزائفة، هؤلاء المثقفون هم أنفسهم الذين رفعوا رؤوسهم بموقف الشيخة مي آل خليفة، ويتبعون دربها، ولا يتبعون درب الوزيرة سهام البرغوثي وغيرها من عشاق التطبيع.
لقد تعمدتُ هذه المقاربة بين المواقف كي أؤكد أن فلسطين ملك لكل العرب العاشقين للحرية والكرامة، ولن تكون فلسطين في يوم من الأيام ملكاً للمطبعين، سواء كانوا عرباً أو فلسطينيين، ولا يحق لأي فلسطيني مهما كان لقبه، أن يدعي التفرد بالقضية الفلسطينية، وأن يجعل من معاناة الشعب الفلسطيني حصان طروادة، يتسلل من خلاله الغزاة إلى المدن الثقافية المحصنة.
بموقفها نهضت الشيخة مي آل خليفة بشعب البحرين كله، ورفعت رأس الأمة كلها، وهي تفك قيود الفروسية العربية، لتنطلق زاهية في ربوع فلسطين.
ملحوظة: من مدينة جنين إلى مدينة نابلس: أحذيتكم أعلى قامة من جبين المتعاونين أمنياً مع العدو الإسرائيلي.