لم يتجاوز عمرها الثمانية أعوام عندما تولّدت بداخلها رغبة عارمة لحفظ القرآن كاملًا لتتحدى بذلك إعاقتها البصرية التي حرمتها من رؤية وجوه والديها ومَنْ حولها، ولتنير به بصيرتها بعد أن فقدت بصرها بسبب خطأ طبي.
ورغم إجرائها العديد من العمليات الجراحية لكنها باءت بالفشل، لتكون إرادة الله فوق آمالهم، لتنطلق لتحقيق حلمها وتحوِّل الظلام الخارجي الذي حولها إلى نور داخلي تشق به طريقها ويعينها على مواصلة الحياة.
فقدان مفاجئ للبصر
الشابة آية محمد الحاج، (22 عامًا)، من قرية إجنسنيا قضاء نابلس، تخرجت العام الماضي من جامعة القدس المفتوحة في تخصص التربية الإسلامية، وضعتها والدتها في الشهر السادس من الحمل، فاضطر الأطباء إلى وضعها في الحضانة لمدة شهرين، وأثرت الأشعة الخاصة التي كانت تُسلط عليها سلبيًا في عينيها فأفقدتها حاسة البصر.
واضطر والداها رغم عمرها الصغير إلى اصطحابها للعديد من الأطباء الذين أجروا لها عمليات لتثبيت الشبكية وتجميدها مما أدى إلى حرقها وعلى إثر ذلك فُقد الأمل في علاجها وعودة بصرها، لتصبح نسبة العجز في عينيها 100%.
لم تكترث عائلتها لإعاقة ابنتها، وسعت لإلحاقها في مدارس خاصة لتلقي تعليمها، تقول الحاج لصحيفة "فلسطين": "كنت بشكل أسبوعي أنتقل من نابلس إلى رام الله برفقة أحد والدي إلى المدرسة لتلقي التعليم، استمررتُ في ذلك حتى الصف العاشر".
محاولة التأقلم
من الصف الثالث الابتدائي بدأتْ مشوارها في حفظ القرآن، وحتى الصف العاشر أتمّت حفظ ستة أجزاء فقط، وانقطعت عن استكمال حلمها بعد دمجها في المدارس النظامية بسبب التغيير الذي لحق بها ومحاولة تأقلمها مع البيئة التعليمية الجديدة.
وتضيف: "مع بداية حياتي الجامعية عدتُ لاستكمال حفظ أجزاء من القرآن الكريم، والتواصل مع بعض المحفظات، وقد اعتمدتُ في الحفظ على المصحف المطبوع بطريقة "برايل"، وفي حال شعرتُ بأنني نطقتُ خطأً بعض الحركات كنت أرجعُ لتسجيلات بعض القراء المشهورين للقرآن الكريم لأستمع منهم للنطق الصحيح ، إلى جانب مساعدة والدتي التي كانت تسمّع لي ما أحفظه قبل أن أقوم بتسميعه للمحفظة".
أربع سنوات استغرقت الحاج في تحقيق حلمها لحفظ القرآن كاملًا، واتبعت برنامجاً محدداً في الحفظ، يقوم على حفظ ما بين 5 إلى 6 صفحات يوميًا، خلال خمس ساعات، وأحيانًا أكثر من ذلك في حال ورود متشابهات في الآيات مما يحتاج إلى التركيز أكثر في الحفظ.
"لم تتسع الدنيا لي من الفرح لحظة أن باركت لي محفظتي بإتمامي حفظ القرآن كاملًا، حققت حلمي، وتحديت إعاقتي، وشعرت بأني فخورة بذاتي فالحمد لله رب العالمين على أعظم نعمة أعطاني إياها، أن أصبح القرآن رفيقي وسندي في الحياة"، وفق حديثها.
وتوضح الحاج أن عائلتها أوجدت لها مناخًا مناسبًا لإكمال تعليمها وإتمام حفظ القرآن، وتعمل حاليًا على مرحلة أصعب وهي التثبيت.
فبعد حفظ القرآن باتت تلمس أثره على شخصيتها وحياتها، وزاد من إيمانها وعزيمتها، "قد أنارت آياته بصريتي وأضاءت عتمتي، وتحديتُ بها إعاقتي لأتفوق على كثيرين".
لن تتوقف الحاج عند حفظ القرآن وتثبيته بل ستسعى إلى الالتحاق بدورات في أحكام التلاوة والتجويد، والحصول على السند المتصل برسول الله عليه الصلاة والسلام، وإتمام القراءات العشر، تمهيدًا للمشاركة في مسابقات محلية ودولية.