لا يمكن لك إن سرت في ذلك الشارع الترابي الذي يقع فيه بيت الطفل محمد السايس، في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، إلا أن ترى صورة كبيرة له عُلِقت هناك، ينسدل فيها شعره على جبينه؛ وتملأ ابتسامته الخفيفة وجهه المدور.
يزين جمال الصورة وإطلالة الطفل صاحب العينين الخضراوين، والبالغ من العمر (6 أعوام) تملأ أجواء المكان، وتذكر كل من يعرفه بتفوقه في مرحلة التمهيدي؛ يوم أن ارتدى ملابس التخرج واحتفى به الجميع قبل أسابيع قليلة.
لكن الصورة ذاتها ستبقى مجرد ذكريات جميلة في حياة والديه وعائلته، بعد أن توفي محمد الذي انتظره الزوجان أحمد ونهى السايس، ثماني سنوات من عمريهما.
وتوفي الطفل "إثر منعه من السفر للعلاج خارج قطاع غزة"، حسبما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
وجاء هذا الإعلان في أعقاب مكوث الطفل ثمانية أيام متواصلة على أسرَّة العناية المركزة في مستشفى الشهيد محمد الدرة، بعد تدهور طرأ على حالته الصحية من لا شيء.
وحسبما أفاد رائد الهندي وهو خال الطفل، فقد ألح محمد على والدته مساء يوم الأربعاء (19 يوليو/ تموز)، للذهاب للبحر برفقة أشقائه وأبناء عمه، فكان له ما أراد.
"خرج للبحر وهو لا يعاني من أي شيء؛ وعاد وهو بحالة جيدة.. وفي اليوم التالي (الخميس) كانت الأمور على ما يرام"، قال رائد لـ"فلسطين".
"مع حلول صباح يوم الجمعة؛ ذهبت والدته لتيقظه من نومه، ولحظتها لم يبدِ محمد أي استجابة أو حركة".
أثار ذلك الأمر قلق العائلة على نحو غير اعتيادي، فمحمد الذي لا يعاني من أي مرض أو تردٍّ في الحالة الصحية، بات في حالة إغماء كاملة جعلته لا يدري ما يجري من حوله.
على عجل، نقل الطفل إلى مستشفى الشهيد الدرة في حي التفاح، شرقي مدينة غزة، وهناك فوجئ الأطباء بحالته ولم يتمكنوا في البداية من تشخيصها، كما قال الهندي.
ولاحقًا، دخل الطفل إلى العناية المكثفة، أخبر الأطباء العائلة بها فورًا، للمضي في إجراءات تحويلة للخارج.
وتابع الهندي: "عندما أخبرنا الأطباء أن حالة محمد في تدهور ويلزم تحويله لخارج القطاع، أتممنا إجراءات التحويلة بأسرع ما يمكن".
وأكمل: "ذهبنا إلى دائرة العلاج في الخارج _مقرها بمدينة غزة ويديرها بسام البدري_ وقد أخبرنا أكثر من مرة أن طلب التحويلة رفض من رام الله".
إلا أن رد الجهة المختصة بالتحويلات الطبية من رام الله لم يمنع العائلة من السعي مجددًا من خلال وساطات لها في الضفة الغربية المحتلة، استطاعت الجلوس مع مدير عام دائرة العلاج في الخارج أميرة الهندي، إلا أنها لم تفلح في الحصول على تحويلة للطفل.
ولم تفارق العائلة المستشفى طوال ثمانية أيام مكثها الطفل محمد داخل العناية المركزة، خلال هذه الأيام لم تكف عينا والدته عن البكاء فيما كان والده يضرب كفًا بكف ويسأل نفسه: ماذا سأفعل؟ في حين كان المقربون منهما يهونون عليهما ويدعون للطفل بالشفاء.
مع كل دقيقة كانت تمر على الطفل؛ كان قلق العائلة يزداد أضعافًا مضاعفة، ولم تفقد الأمل بتحويله لتلقي العلاج وعمل اللازم له عله يعود طبيعيًا كما كان. واشتد هذا القلق بعد أن أخبر الأطباء في اليوم الخامس لمكوثه في المستشفى؛ أن مياها وصلت إلى مخ الطفل، وهي من تسببت بتدهور حالته.
مضت أيام أخرى على الطفل وهو ما زال قيد أسرَّة مشفى الدرة؛ ومضت معها آمال الجميع بتحويله للعلاج. فلم تكتب له النجاة وغادر الحياة بعد وقت قصير استمتع خلاله ووالدته وأشقاءه على بحر غزة.
بالمناسبة، رزق الزوجان بمحمد بعد أن أنجبا أربع بنات، ولم يفقدا الأمل بإنجاب طفل لكنه جاء بعد 8 سنوات، فيما أنجبا بعده 3 بنات وابنا واحدا، أما الآن سيفتقد الأبوان والأبناء والجميع محمد، طالما أنه رحل عنهما وترك لهما مجرد ذكريات.
وتقول وزارة الصحة بغزة: إن محمد السايس هو "الضحية الـ 23 لقرار حكومة الحمد الله تقليص التحويلات الطبية لمرضى قطاع غزة.
ولم تُتَح لـ"فلسطين" فرصة الحصول على تعليق من دائرة العلاج بالخارج في رام الله، حول هذا الأمر.