حولت نجية شاهين قطعة أرض مهملة توسطت البلدة القديمة في سلفيت، إلى مكان ينبض بالحياة ويشع بهجةً بألوان الورود والزهور، والأشجار المثمرة التي زرعتها على مدار 20 عامًا، صار المكان يجذب انتباه الجيران والضيوف، إذ أصبح متنفسهم الوحيد.
لاقت جهود نجية استحسانًا من جيرانها والزوار وحتى البلدية لكونها حولت "خرابة" إلى حديقة غناء، فبدأ الجيران في مساعدتها، حتى إن أزقة وشوارع حارة "زقاق العين القبلية" (حيث الحديقةُ)، أصبحت جنباتها مزروعة بالورود، وغطتها دوالي العنب المثمرة.
جهد شخصي
فـ"نجية" هي سيدة مولعة بالزراعة، تملأ بيتها أصصًا مزروعة بالورود، والأعشاب العطرية، لطالما تمنت أن تمتلك قطعة أرض لكي تزرعها بكل ما تتمناه، فحققت أمنيتها باستغلال الأرض المهملة التي تبعد بضعة أمتار عن بيتها، فتستيقظ كل يوم مع ساعات الصباح الأولى لتزرعها وتعتني بها.
تقول نجية لـ"فلسطين": "ما قمت به هو جهد شخصي وعلى نفقتي الشخصية اشتريت الورود والأشجار المثمرة وزرعتها، لأني أعشق الزراعة والطبيعة، ليغدو هذا المكان متنفسي الوحيد، واقتدت بي جاراتي اللاتي قمن بزراعة الورود أمام بيوتهن وإضفاء مظهر جمالي للحارة".
وتمتاز البلدة القديمة في مدينة سلفيت، بطابع عمراني تقليدي تميزه عناصر معمارية كالأقواس، والعقود، والأحواش الداخلية، والطرق المتعرجة، والحارات التي تعود بعمرها التاريخي إلى ما يزيد على مئتي عام.
وترتفع البلدة عن سطح البحر 430م، وتبلغ مساحتها 50 دونمًا، وتطل على عين ماء تسمى "العين القبلية" التي كانت تروي سكانها قديمًا، وقد حافظت على طابعها العام باستثناء بعض الإضافات الجديدة التي أُلحقت بالمباني القديمة، ورأى فيها البعض تشويهًا للمظهر العام.
تستقطب الزوار
وتعاني البلدة انتقال كثيرٍ من سكانها إلى مناطق أخرى من المدينة ذات الطابع العمراني الحديث لتصبح البيوت فارغة، والجدران باردة.
وتضيف: "كرمتني البلدية لكون حارتي "أجمل حارة في سلفيت"، وهنا استغللتُ الفرصة وطلبت من رئيس البلدية شراء قطعة الأرض وتحويلها إلى حديقة خاصة بالحارة، على أن أتكفل بزراعتها وتنظيفها، فاستجاب للطلب بسرعة وقام بشرائها".
وتكريمًا لها على جهودها أراد رئيس البلدية إطلاق اسم نجية على الحديقة، ولكنها فضلت تسميتها بـ"حديقة البلدة القديمة"، التي تعد الآن ملاذًا لأهالي الحارة خاصة، والمحافظة عامةً؛ الهاربين من حرارة الصيف، ومكانًا آمنًا للهو أطفالهم.
وأخيرًا أصبحت نجية قادرة على الاعتناء بالأرض دون مساءلة من أحد، وتعدها بيتها الثاني، إذ تقضي معظم وقتها فيها، وتستقبل مع جاراتها ضيوف البلدة من وفود أجنبية، ورحلات مؤسساتية، وتصنع لهم خبز الطابون، والأكل التراثي الفلسطيني.
ويُقبل الشباب أيضًا على إقامة جلسات تصوير فيها، كما يحتفل أهالي الحارة بأعياد ميلاد أبنائهم فيها أيضًا.
وتدعو "نجية" الجميع للمحافظة على تراثهم، والتعاون في المحافظة على نظافة بلدهم، وتجميلها بالورود، والأشجار لإضفاء لمسات مريحة لنفس ونظر كل مَنْ شاهدها.
ولا تدخر زينب فاتوني جهدًا في مساعدة جارتها نجية في تنظيف الحديقة، والاهتمام بها بمساعدة أبنائها وبناتها، وزوجها أيضًا، إذ تستقبل فيها ضيوفها فيها على الدوام.
تقول زينب (57 عامًا) لـ"فلسطين": "قبل أن تشتري البلدية قطعة الأرض كنا قد زرعناها بالورود، وبأشجار الليمون، والعنب، والخوخ، والجوافة، ويستفيد منها من ثمارها جميع أهالي الحارة".
وتقضي زينب أغلب وقتها في الحديقة فهي متنفسها الوحيد فبيتها لا تتعدى مساحته الـ70 مترًا، فتشعر بالراحة، والطمأنينة بين الأشجار، والورود، ونافورة المياه.
وتضيف: "بناتي المتزوجات يساعدنني في تنظيفها، على حين يساعدني زوجي وأبنائي في تقليم الأشجار، فهي أعمال لا تقوى النساء على فعلها".
وتؤكد زينب أن حديقة البلدة القديمة أصبحت معلمًا مشهورًا يستقطب الزوار من جميع الحارات، فهي منحت البلدة القديمة لمسة تذكر الناس بالماضي.
ويشار إلى أن البلدة القديمة بسلفيت؛ شهدت هدم عدة مبانٍ فيها خلال انتفاضة الأقصى، ويناشد مواطنوها ترميم بعض الأبنية الآيلة للسقوط، ودعم وتعزيز صمودهم فيها، لكون الحجارة والأبنية والأزقة تعدُّ تاريخية تعود لمئات السنين.