تسعى حركة حماس لبناء علاقات قوية ومتوازنة مع عدد من الدول العربية والإسلامية في إطار تحشيد المواقف العربية والإسلامية لصالح القضية الفلسطينية والاستفادة من ذلك على مستويات عدة "سياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا" حسب ظروف واستعداد هذه الدول بما يضمن بناء "جبهة مقاومة" في وجه الاحتلال الإسرائيلي ويعزز من حالة التصدي لمشاريع التطبيع العربي ويفشل من المحاولات الجارية لبناء حلف إستراتيجي بين الاحتلال الإسرائيلي وعدد من البلدان العربية، وفي السياق برز الحديث عن إمكانية استعادة العلاقة مع سوريا ضمن هذه المساعي التي تبذلها الحركة في عدة اتجاهات ومع دول مختلفة في المنطقة، القرار بحد ذاته هو تطور مهم ويمكن أن يحقق مكاسب مختلفة بغض النظر عن المخاوف والاعتراضات التي أثيرت وتثار حول إعادة العلاقة.
ولو تحدثنا بواقعية وبحسابات دقيقة سنجد أن إعادة العلاقة مصلحة لكل من الطرفين سواء حركة حماس أو الدولة السورية، فحماس تريد تحقيق الكثير من المكاسب بهذه الخطوة الإستراتيجية: 1- إذ ترغب الحركة في تعزيز حضورها السياسي وزيادة فاعليتها وتأثيرها في المنطقة بإعادة العلاقة مع دولة محورية هي جزء من محور المقاومة ومناهض قوي للاحتلال، 2- ترميم علاقاتها وإعادة بناء تحالفات جديدة لخدمة مشروع المقاومة وإسناد الحركة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، 3- فتح قنوات جديدة وبدائل مهمة لاستئناف الدعم العسكري، 4- تطوير علاقاتها بمحور المقاومة ورفع مستوى التعاون والتنسيق مع كل مكوناته، 5- خلق تحديات جديدة أمام الاحتلال الإسرائيلي وتفعيل الساحة السورية في مواجهة الاحتلال، 6- زيادة فاعلية الحركة في مواجهة مشروع التطبيع والتحالفات الجديدة مع الاحتلال وتمكين الحركة من تفعيل خيارات مهمة وساحات ممتدة، 7- إفشال محاولات التضييق وتحطيم قرار محاصرة الحركة والتوسع في المنطقة بما يضمن تحقيق أعلى مستوى من الدعم والتضامن والتحشيد للقضية الوطنية في ظل ما تتعرض له من تهديدات.
فالحركة لديها منطلقات ومبادئ مهمة في بناء العلاقات مع دول المنطقة أبرزها؛ أنها (لا تحمل أي موقف عدائي) لأي دولة أو نظام عربي أو إسلامي وليس لديها أي مصلحة في قطع العلاقات أو الدخول في خلافات مع الدول، وتسعى بكل جهدها لبناء علاقات مع الجميع وهي "جاهزة ومنفتحة للتعاون" في مستويات مختلفة، لكن ذلك لا يعني أنها يمكن أن توافق على تجاوزات وسقطات الدول فيما يتعلق بالعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، لذلك كانت لها مواقف دائمة تعترض فيها على أي خطوة من شأنها التقارب مع الاحتلال من قبل بعض دول المنطقة، وأيضًا ترتب الأولويات حسب ما يتوفر من نوافذ للعلاقات في المنطقة فبعض الدول فتحت أبوابها للحركة واستعدت لاستضافة الحركة والتعاون معها على حين دول أخرى ترفض حاليًّا التعامل مع حركة حماس وتعمل جاهدة للإضرار بالحركة وملاحقة كوادرها وتضييق الخناق عليها وتعطيل أي قنوات مالية لدعم الحركة.
وفي ذات الوقت فإن المصلحة السورية أيضًا حاضرة في موضوع إعادة العلاقة مع حركة حماس؛ لأن إعادة العلاقة مع حركة حماس يمكن أن يحقق عدة مكاسب للدولة السورية، أبرزها: تريد الدولة السورية ترميم علاقاتها وتقوية تحالفاتها في المنطقة مع الدول من جانب ومع حركات المقاومة من جانب آخر فإلى جانب العلاقات مع روسيا وإيران هي توثق العلاقات مع حركة حماس اللاعب الأقوى والأبرز في الساحة الفلسطينية إلى جانب قوى فلسطينية أخرى بعد أن نجحت في بناء تحالف قوي مع تنظيم أو جماعة حزب الله اللبنانية، وهذا بدوره يعزز من صمود الدولة السورية ويجعلها تواجه العدوان الإسرائيلي بقوة ويمكنها من استفزاز الاحتلال الإسرائيلي وتوجيه صفعة جديدة له عبر إعادة حركة حماس للعمل والوجود في الأراضي السورية، كما يمكن أن تصبح سوريا محطة مهمة ولاعبًا بارزًا أمام العديد من الأطراف الدولية في نجاحها في تقديم نفسها على أنها الراعي لحركات المقاومة والساحة المركزية للفعل في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد في المنطقة وهذا بدوره سيجعلها ممرًّا "إجباريًّا وقبلة اضطرارية" في وجه الوسطاء الدوليين في أي حراك متعلق بالمقاومة، وفي ذات السياق فإن عودة الدولة السورية للعب دور بارز فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيفرضها بقوة في المنطقة ويزيد من ثقلها وتأثيرها السياسي، لذلك فإن الدولة السورية ستنظر لإعادة العلاقة على أنها مكسب إضافي يمكن أن يعزز صمودها ويزيد من رصيدها ويفتح لها آفاقًا جديدة لاستعادة دورها بعد أن تراجع في الآونة الأخيرة.