تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق إلى أداة جديدة للتسول والكسب غير المشروع والنصب والاحتيال، سواء من عصابات الجريمة المُنظمة أو الأشخاص العاديين، بعد أن كان التسول مقتصرا على الطرقات والشوارع العامة.
ويتخذ التسول هذه الأيام شكلا مغايرا يُمكن تسميته بـ"التسول الإلكتروني" من خلال نشر فيديوهات أو صور لجمع التبرعات لحالات إنسانية مختلفة.
وأسهمت الأزمة الاقتصادية وكذلك الحروب والتهجير والنزوح في البلاد في السنوات الماضية إلى حد بعيد في اتساع دائرة التسول بكل أنواعه، فضلا عن زيادة نسبة البطالة التي دفعت كثيرا من الشباب والنساء الأرامل والمطلقات إلى التسول.
وفي المدة الأخيرة، وقع كثيرون ضحية عمليات نصب واحتيال بعد استجداء أشخاص بهم عبر مقاطع فيديو وصور لحالات إنسانية أو مرضى يعانون أمراضًا مستعصية تتطلب أموالا ضخمة لمعالجتها، ليتبين فيما بعد أن الأمر لم يكن إلا احتيالا كما حدث مع فلاح حسن من محافظة نينوى (شمالي العراق).
يقول حسن إن شخصا أرسل له مقطع فيديو عبر موقع "فيسبوك" تظهر فيه امرأة وحولها 3 أطفال طريحي الأرض لم تتجاوز أعمارهم 5 سنوات تطلب مساعدة مادية لإجراء عملية جراحية لأحد أطفالها، ليكتشف بعد أن أرسل لها حوالة 100 دولار أميركي أنها تعمل ضمن مجموعة من المتسولين.
انتشار هذه الظاهرة السريع في المدة الأخيرة دفع وزارة الداخلية إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات لمواجهتها والحد منها، بعد أن سجلت العديد من حالات النصب والاحتيال عبر مواقع التواصل من خلال التسول الإلكتروني.
ويُشير مدير قسم محاربة الشائعات التابع لدائرة العلاقات والإعلام في الوزارة العميد نبراس محمد علي إلى أن المحتالين يستغلون عاطفة العراقيين لتحقيق مكاسب باستخدام أساليب قد تصل إلى حد الاتجار بالبشر.
وذكر العمدي علي أن وزارة الداخلية تعمل على معالجة الظاهرة عبر القبض على المتسولين، وتفكيك العصابات التي تتخذ من هذا الموضوع وسيلة للكسب غير المشروع.
ويُعاقب القانون العراقي في مواده الثلاث (390، 391، 392) بالحبس والغرامات المالية على ظاهرة التسول.
ويرجع الخبير القانوني علي التميمي أسباب استفحال ظاهرة التسول الإلكتروني بشكل غير مسبوق في البلاد إلى عدم وجود عقوبات رادعة لما يصفها بـ"الجرائم" في البلد، ويرى أن العراق يحتاج إلى تشريع قانون الجرائم الإلكترونية للحد من هذه الكارثة التي تتوسع في كل يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كما فعلت بعض الدول التي شرعت قانون التسول الرقمي وفرضت عقوبة السجن لمدة تصل إلى 3 أعوام مع غرامة مالية، بالإضافة إلى منع المتسول من دخول البلاد إذا كان أجنبيا.
ويؤكد التميمي أن استخدام بعض الأطفال أو أناس آخرين في مقاطع الفيديو والصور يدخل في خانة الاتجار بالبشر، وأشار إلى أنه في حالة خداع بعض المواطنين كما حدث مع فلاح حسن يمكن اللجوء إلى المادة 390 من قانون العقوبات التي تُعاقب بالسجن لمدة شهر على التسول، أو القوانين الخاصة بالنصب والاحتيال.
وتحذر الباحثة الاجتماعية خلود الشمري من أن ظاهرة التسول الإلكتروني سيكون لها نتائج سلبية على المجتمع في المستقبل باستسهال كثير من المتسوّلين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق المكاسب.
وتنتقد الباحثة الاجتماعية "عدم وجود متابعة أو مراقبة بالشكل المطلوب من الجهات المعنية لمثل هذه الظواهر التي ستتوسع أكثر في المستقبل لغياب التشديد عليها، وهذا ما يعني أن المجتمع العراقي سينتقل من نكسة إلى نكسة جديدة تُعقد الواقع أكثر بتأثيرها السلبي على الشباب والنساء الأرامل والمُطلقات".
وتُحذر الشمري من أن غياب المراقبة الحكومية سيدفع إلى توسع ظاهرة التسول الإلكتروني، وقد تبلغ مرحلة يصعب فيها السيطرة عليها أو التخلص منها.