فلسطين أون لاين

​الإرادة.. وغطرسة القوة!!

وها قد جاءت الجمعة العظيمة في 28 تموز 2017 مُبشرة بقيظ يحرق العدو رغم عدته وعديده واحتياطاته التي حشدها وعززها على أبواب قدس الأقداس في باب الأسباط، والخليل، ويافا، والساهرة، والمجلس، وحُطة وغيرها، جال على أبوابها بكل غطرسة القوة جنوده وضباطه وشرطته وحرس حدوده ووحداته الاحتياطية مدعمة بمستعربيه وقطعان سوائب يمين مستوطنيه وهم يتبجحون كما قال قائد شرطته رداً على المواقف الرافضة لأفعالهم النكراء: "نحن نفعل ما نراه مناسباً فنحن أسياد المكان ؟؟!".

ولكن إرادة الشعب الفلسطيني وعلى مدار أسبوعين فارقين تجلت فيها عزيمة أسود الرباط فارتدت على غطرسة القوة المنفلتةِ من كل عقال فانخارت قواهم واندحروا خائبين أمام المَدّ المتعاظم لعشرات الآلاف التي تقدمت لا تلوى على شيء إلاّ رضا الله ونُصرة أقصاه، بوابة السماء ومسرى نبي الله، صلى الله عليه وسلم!

فكان النصر والله الذي أمدها بعشرات وعشرات آلاف أخرى حين كانت حواري وأزقة وسطوح منازلها خنادق وكمائن لهم إلى أن يأذن الله بنصر قريب، ثم انكفاء لسفاحي ونازيي القرن الحادي والعشرين وهكذا كان!

كان آخر موقع هو باب حُطة حاول العدو الإصرار على إبقائه مُغلقاً، أما أبطال الرباط فقد كان قرارهم لا صلاة في الأقصى إلاّ بالولوج منه إلى ساحة قدس الأقداس! استعد الشباب وقدموا إنذارهم الأخير لحراس البوابة من الداخل وجحافل العدو تتصيد "طرائدها" الآدمية من خارج أبوابه وتغلقه باتفاق بينها بالبوابات والممرات الحديدية والمجسّات والكاميرات الحرارية الإلكترونية ومئات الوحدات، فكانوا مدججين بكل صنوف القتل!

كان قرار الشباب: "سنفتح باب حُطة عنوة خلال دقائق، ولتكن دماؤنا هي من يُعَمِّد هذا الفتح العظيم؟!

وصلت الرسالة مع قرار زحف عشرات آلاف غيرهم وموجات لعشرات آلاف أخرى لا تتوقف نحو كسر باب حُطة الأخير والدخول، فالروح على الراح ولا رادَّ لهم إلاّ الصلاة في أقصاهم؟! وهكذا تم تداول هذا القرار على أعلى مستوى لقيادة العدو وكان الرد: "افتحوا باب حُطة"!

يقول غير محلل محلي وأجنبي: إن ما يعتري قيادة العدو هو خطير لجهة غياب القادة الكبار الذين كان إسحق رابين آخرهم الفعلي ولكن البعض يضيف شيمون بيريز إليهم رغم أن اسمه الحركي كان "السيد فشل" لعديد إخفاقاته كما يضع البعض أرييل شارون كآخر قائد للدولة المارقة ولا أحد غيره!

ولكن أرييل شارون ختم آخر أيام عمله في الميدان العسكري والسياسي بثلاث هزائم كبرى، حين لم ينجح في حصار بيروت 1982 ميلادية كما أراد مغادرة المقاومة الفلسطينية بعد أشهر ثم ما واجهه حين دنس المسجد الأقصى في عام 2000 فانفجرت انتفاضة الأقصى بكل تفاعيلها، والأدهى أنه (شارون) بغبائه أرسى لانطلاقة غير مرتدة لحزب الله بكل إنجازاته في وجه دولة الاحتلال المارقة وشريطها الأمني عام 1978 بقيادة سعد حداد ومن بعده ميشيل عون وطردهم عام 2000 من طرف واحد وكذلك العمليات البطولية خلف الخطوط وأسر ضباطه وجنوده وتحرير الآلاف من المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين العرب، وهزيمة النازيين الجدد المنكرة في معارك تموز البطولية التي امتدت لثلاثة وثلاثين يوماً عام 2006 ميلادية.

معارك العدو الفاشلة وخسائره في العدة والعديد شاهد على تآكل قدرة جيشه الردعية بفشلِهِ في تحقيق هدف سياسي واحد حتى اليوم وبناء المقاومة لميزان رُعب يهز كيانه الهش وقتل وأسر العشرات من جنوده وضباطه حتى اليوم.

معركة جمعة الأقصى التي امتدت لأسبوعين والتي رَكَع فيها الفاشيون على رُكبهم تعكس – وكما يقول قادته أنفسهم – أنهم يفقدون خيالهم الاستراتيجي الأمني العسكري، بعد إفلاس كل ما خطّطوه خلال العقود الماضية من استراتيجيات أثبتت أنها غير واقعية ولا تعتمد غير الخيال العلمي الذي لا علاقة له بالواقع المتغير لشعب قرر النصر على أعدائه أيّاً كانت ترسانتهُ العسكرية والتي خبرها عن ظهر قلب.

لقد أكد أهل القدس بصمودهم وتضحياتهم الكبيرة، أن الوحدة عامل هام ومفصلي في أداء طليعة الأمة حين التف الجميع حول المقدسات، فاعتبر المسلمون أن الأقصى خط أحمر ودونه الأرواح والتف معهم في وحدة نموذجية رائدة الأشقاء في الوطن من الطائفة المسيحية الذين لم يقفوا بجوارهم وعلى مدار الساعة تحت الحر الشديد فقط بل صلّوا معهم ووزع آخرون منهم الحلوى والماء والطعام في تَوحُّدٍ أصيل أدهش العدو، ففلسطين للجميع وأي مس بحقوق المسلمين هو المدخل الطبيعي للمس بحقوق أشقائهم الدينية والوطنية عموماً.

والمقدسيون وأبناء الشعب الفلسطيني الذين يزحفون بقيادة شيخ الأقصى رائد صلاح من كل قرى ومدن الوطن يشدون الرحال نحو القدس يؤكدون أن كل شعب فلسطين واحد وموحد في الضفة وكل مدينة القدس شرقاً وغرباً وفي غزة العزة وبين اللاجئين الفلسطينيين في بلاد اللجوء والشتات وهم يساوون نصف الشعب الفلسطيني، كلهم مَسكُونون بأخطار الاحتلال ونواياه الفعلية وهي التصفية العرقية للمقدسيين وكل شعب فلسطين وقيام كيانهم اليهودي العنصري الفاشي غير الشرعي وتدمير الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه.

هذه المعضلة الخطيرة هي التي يعيشها شعب فلسطين وشعوب أمتنا العربية والإسلامية والأحرار في العالم ومخاطر هذه الجرائم على الأمن والسلم الدوليين.

الشعوب بدأت تتحرك رغم أنف حكامها في الأردن والكويت وقطر والسودان وحتى اليمن رغم همومها وفي موريتانيا وحلب سوريا المدماة، وفي طهران وفي كل مدن إيران وانقرة واسطنبول وكل المدن التركية وفي تونس وليبيا والمغرب وباكستان واندونيسيا وماليزيا والعديد من العواصم الأوروبية وأميركا اللاتينية.

العالم الذي يقف اليوم عن بكرة أبيه ضد الاستيطان والبطش الدموي ضد شعب أعزل يدافع عن مقدساته وحريته واستقلاله في مواجهة آخر استعمارات الدنيا وأكثرها إرهابية ووحشية ودموية وعنصرية سيعطي دفعته الأخيرة والمبكرة لشعبنا الصامد الذي بات قاب قوسين أو أدنى من النصر المؤزر.